ما حكم توزيع الصدقات عند زيارة المقابر وهبة ثواب ذلك للمتوفَّى؟..سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

لترد دار الإفتاء موضحة: ان ما يفعله بعض مَنْ يقوم بزيارة قبور الأقارب المتوفَّين من توزيع الصدقات هناك بنية هبة ثواب إخراج الصدقة عند الميت أمر لا حرج فيه شرعًا؛ وذلك لأن النصوص الواردة في ذلك جاءت مطلقة، فيعم الجواز كل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال ما لم يرد ما يُقيِّده؛ ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». أخرجه مسلم.

حكم الصدقة عن الميت

من المقرَّر شرعًا جواز الصدقة عن الميت ووصول ثوابها إليه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ سعد بن عبادة رضي الله عنه توفِّيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». أخرجه البخاري؛ يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” (5/ 390، ط. دار المعرفة): [وفي حديث الباب من الفوائد: جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]] اهـ.

وقد أجمع الفقهاء على جواز الصدقة عن الميت ووصول ثوابها للمتوفَّى ولم يُعرف بينهم خلاف فيه؛ قال الإمام النووي في “المجموع” (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتصله] اهـ.

حكم ما يُسمى بطلعة رجب لتوزيع الصدقات عند المقابر

بالنسبة لعادة بعض الناس في إخراج تلك الصدقة في زمان معين أو مكان محدد؛ وذلك نحو ما يفعله البعض من توزيع الصدقات في شهر رجب عند زيارة قبور الأقارب المتوفَّين، وذلك بنية وهب ثواب إخراج الصدقة عند الميت، فهذا لا حرج فيه شرعًا، ويرجى وصول ثواب هذه الصدقة إلى المقصودين؛ وذلك لأن النصوص الواردة في جواز الصَّدقة عن الميت جاءت مطلقة، فيعم الجواز كل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال ما لم يرد ما يُقيِّده، فإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة العموم أو الإطلاق فإنَّه يؤخذ على عمومه وسَعَته ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلَّا بدليل، وإلَّا كان ذلك بابًا من أبواب الابتداع في الدين بتضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ينظر: “غمز عيون البصائر” للحموي (1/ 16، ط. دار الكتب العلمية)، و”مغني المحتاج” للخطيب الشربيني (6/ 202، ط. دار الكتب العلمية).

والصدقة في الأيام والشهور الفاضلة مستحبة شرعًا، فقد روي عن محمد بن مَسْلَمَةَ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا». أخرجه الطبراني في “المعجم الأوسط”.

ومن المعلوم أن شهر رجب من الأشهر الحرم التي رغَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس في الإقبال على الطاعات فيها، وبالأخص ما يكون نفعه متعديًا؛ كالصدقات وإطعام الطعام.. ونحو ذلك.

فعن نُبَيْشَةَ رضي الله عنه، قال: نادى رجل وهو بِمِنًى فقال: يا رسول الله، إنا كنا نَعْتِرُ عَتِيرَةً في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «اذْبَحُوا فِي أَيِّ شَهْرٍ مَا كَانَ، وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا». أخرجه النسائي في “سننه”.

وفي سر إطعام الطعام في هذا الشهر الحرام، وتقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لثواب هذه العادة الماضية؛ لاستبقاء ما فيها من خير وثواب يناله كل من يطعم الناس وبالأخص الفقراء في هذا الوقت الفضيل.

وهذا أصلٌ في اختصاص شهر رجب بمزيد من الفضل والخير والبركة والأجر لمن زاد فيه من عمل الطاعات، وخاصة العبادات التي يكون النفع منها متعديًا للغير؛ كالصدقات.

ويؤخذ من ذلك جواز ما جرى عليه عمل بعض الناس من التَّصدُّق عن الميت عند زيارة قبره في أول رجب؛ رجاء أن يرحم الله تعالى المتوفى بسبب تلك الصدقة، وذلك متى روعيت الآداب الشرعية في ذلك؛ من نحو خفض الصوت عند المقابر، ومراعاة المعايير الصحية والطبية عند توزيع الصدقة إذا كانت من طعامٍ أو شرابٍ ونحو ذلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version