شهد سعر النحاس ارتفاعًا تاريخيًا في بورصة لندن للمعادن، متجاوزًا حاجز 11 ألف دولار للطن، وذلك في ظل تزايد المخاوف بشأن نقص محتمل في المعروض العالمي. يعكس هذا الارتفاع الضغوط المتزايدة على سوق المعدن، مدفوعة بعوامل متعددة تشمل تعطل الإنتاج، والتوقعات بزيادة الطلب، والتوترات التجارية المحتملة.

وارتفع سعر النحاس بنسبة تصل إلى 0.9% ليصل إلى 11294.5 دولار للطن في تعاملات لندن، فيما سجلت العقود الآجلة في بورصة “كوميكس” الأميركية ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 1.6%. يأتي هذا بعد فترة من التقلبات، حيث كان السوق يتفاعل مع فترة سماح مؤقتة بشأن الرسوم الجمركية المحتملة على المعادن.

أسباب ارتفاع سعر النحاس وتوقعات بتفاقم النقص

يعزى الارتفاع الأخير في أسعار النحاس إلى عدة عوامل متداخلة. فقد سلط مؤتمر النحاس الكبير الذي عُقد في شنغهاي الأسبوع الماضي الضوء على التحديات التي تواجه شركات التعدين في تلبية الطلب المتزايد، خاصة بعد سلسلة من التعطّلات غير المخطط لها في مناجم النحاس حول العالم.

تعطّل الإمدادات وزيادة تكاليف الإنتاج

تواجه مصاهر النحاس مفاوضات صعبة مع شركات التعدين بشأن أسعار شراء الخام السنوية. وارتفعت العلاوات السنوية بشكل كبير، مما يعكس الضغوط على سلسلة الإمداد. تشير تقديرات شركة “ميركوريا إنرجي غروب” إلى احتمال حدوث عجز في المعروض من النحاس العام المقبل، مما قد يؤدي إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار.

بالإضافة إلى ذلك، يشهد قطاع التعدين بشكل عام ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج، بسبب عوامل مثل ارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة تكاليف العمالة، والتحديات اللوجستية. هذه التكاليف المتزايدة تُنقل في النهاية إلى المستهلكين، مما يدفع الأسعار إلى الأعلى.

التحول للطاقة النظيفة والطلب المتزايد

يلعب النحاس دورًا حيويًا في التحول العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة. فهو مكون أساسي في البنية التحتية للطاقة المتجددة، مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية، بالإضافة إلى شبكات نقل الكهرباء. مع تزايد الاستثمارات في هذه المجالات، من المتوقع أن يزداد الطلب على النحاس بشكل كبير في السنوات القادمة، مما يدعم أسعاره.

كما أن النمو الاقتصادي في بعض الدول، وخاصة في آسيا، يؤدي إلى زيادة الطلب على النحاس في قطاعات مثل البناء والتصنيع والنقل. هذا الطلب الإضافي يزيد من الضغط على المعروض المحدود.

تأثير التوترات التجارية وتوجهات المتداولين

يساهم التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين في زيادة تقلبات أسعار النحاس. يهرع المتداولون حالياً إلى نقل النحاس إلى الولايات المتحدة تحسبًا لفرض إدارة ترمب رسومًا جمركية على الواردات العام المقبل. وقد وصل سعر المعدن في بورصة “كوميكس” إلى أعلى مستوى له منذ 30 يوليو، وهو ما يذكر بتأثير قرار الرئيس ترمب السابق بتأجيل الرسوم الجمركية حتى عام 2026.

ويتوقع الخبراء أن يتم نقل أكثر من نصف مليون طن من النحاس إلى الولايات المتحدة في الربع الأول من عام 2026، وذلك للاستفادة من الأسعار المرتفعة قبل تطبيق الرسوم المحتملة. هذا التدفق الكبير من النحاس إلى الولايات المتحدة قد يزيد من النقص في الأسواق الأخرى، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على مستوى العالم.

وفي الوقت الحالي، ارتفع سعر النحاس بنسبة 0.4% ليصل إلى 11228.50 دولار للطن في بورصة لندن، بينما بلغ 5.31551 دولار للرطل في بورصة “كوميكس”. وشهدت معادن أخرى، مثل القصدير والألمنيوم، أيضًا ارتفاعًا في الأسعار في بورصة لندن.

التأثيرات على أسعار المعادن الأخرى

لم يقتصر تأثير ارتفاع أسعار النحاس على هذا المعدن وحده، بل امتد ليشمل أسعار المعادن الأخرى. فقد شهد القصدير والألمنيوم ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، مما يشير إلى وجود زخم صعودي أوسع في سوق المعادن.

ويرجع هذا إلى أن العديد من المعادن مرتبطة ببعضها البعض، وأن ارتفاع سعر أحد المعادن قد يؤدي إلى زيادة الطلب على المعادن الأخرى المستخدمة في نفس الصناعات. بالإضافة إلى ذلك، قد يستفيد المستثمرون من الارتفاع العام في أسعار المعادن عن طريق شراء معادن أخرى، مما يزيد من الضغط على الأسعار.

الوضع الحالي يجعله وقتًا حرجًا للمراقبين والجهات المعنية بسوق المعادن. من المتوقع أن تتضح الصورة بشكل أكبر مع اقتراب نهاية عام 2025 وبدء تنفيذ أي قرارات بشأن الرسوم الجمركية. يجب على المستثمرين ومستخدمي النحاس مراقبة تطورات السوق عن كثب، وتقييم المخاطر والفرص المحتملة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version