شهد سوق الأسهم السعودية، أو ما يعرف بـ”تاسي”، انتعاشاً ملحوظاً اليوم، مرتفعاً بعد سلسلة من التراجعات التي أوصلته إلى أدنى مستويات الإغلاق في نحو شهرين. يأتي هذا الارتفاع على الرغم من تسجيله خسارته الأسبوعية الثالثة على التوالي، متأثراً بتوجه المستثمرين نحو تجنب المخاطرة وترقبهم لقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة. هذا الأداء المتذبذب يعكس حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق العالمية والإقليمية.
أغلق المؤشر العام “تاسي” تعاملات اليوم الخميس بارتفاع بنسبة 0.1%، ليعود إلى التماسك فوق مستوى 11 ألف نقطة، في حين بلغ التراجع الأسبوعي للمؤشر 1.5%. وانخفضت أحجام التداول مجدداً هذا الأسبوع، حيث سجلت القيمة الإجمالية للتداولات حوالي 17.6 مليار ريال، مقارنة بـ 19.4 مليار ريال في الأسبوع الماضي. يشير هذا الانخفاض في السيولة إلى حذر المستثمرين.
توقعات بتحول إيجابي في سوق الأسهم السعودية
قاد مكاسب السوق اليوم سهم شركة “معادن”، الذي ارتفع بأكثر من 3%، مما يعكس تفاؤل المستثمرين بفرص النمو التي تتيحها اتفاقيات الشركة الجديدة. في المقابل، سجلت أسهم شركات قيادية أخرى، مثل “أرامكو السعودية”، و”بنك الرياض”، و”البنك الأهلي السعودي”، انخفاضاً في قيمتها. هذا التباين في أداء الأسهم يعكس تنوع القطاعات وتأثرها بعوامل مختلفة.
يرى المحلل المالي عاصم منصور أن تماسك المؤشر فوق مستوى 11 ألف نقطة يمثل إشارة إيجابية، معززاً التوقعات بانتهاء فترة التصحيح المستمرة التي دامت ثلاثة أسابيع. ومع ذلك، أشار منصور إلى أن سهم “أرامكو” كان له دور في الحد من مكاسب المؤشر، متوقعاً أن يستفيد السهم من الاتفاقيات الأخيرة المبرمة مع الولايات المتحدة خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان.
وتعمل “أرامكو” على توقيع مجموعة من الاتفاقيات مع شركات أمريكية في قطاع الطاقة، تقدر قيمتها بأكثر من 30 مليار دولار. ومن شأن هذه الاتفاقيات أن تعزز مكانة الشركة كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية، وتساهم في تنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي.
الوصول إلى نقطة القاع
أكد محمد الفراج، رئيس أول لإدارة الأصول في “أرباح كابيتال”، أن السوق ربما تكون قد وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال الجلسات الأخيرة، حيث وجدت دعماً قوياً بالقرب من مستوى الدعم الرئيسي عند حوالي 10950 نقطة. وقد حافظ المؤشر على هذا المستوى لأربع جلسات دون كسره، مما يشير إلى قوة الشراء عند هذه المنطقة.
وأضاف الفراج، في مقابلة مع “الشرق”، أن المستثمرين يقتنعون بأن القيمة الحالية للسوق أقل من قيمتها العادلة، إلا أن انخفاض السيولة وضبابية قرار الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، بالإضافة إلى تزامن العديد من الاكتتابات، تشكل عوامل ضغط على السوق. يجب مراقبة هذه العوامل لفهم مسار السوق المستقبلي.
من المتوقع أن يعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن قراره بشأن السياسة النقدية في الشهر القادم. وقد أشارت محاضر اجتماع البنك المركزي في أكتوبر إلى تفضيل العديد من مسؤولي البنك الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير حتى نهاية عام 2025، بهدف تقييم تأثير السياسات الحالية.
ضغوط قصيرة الأجل وتأثير الاتفاقيات
يتوقع المحلل المالي محمد زيدان استمرار الضغوط على السوق في المدى القصير، خاصة مع تراجع أحجام التداول في القطاع المصرفي وارتفاع معدلات الفائدة بين البنوك السعودية (سايبور). هذا الارتفاع في سايبور قد يؤثر سلباً على هوامش الربح وتكلفة التمويل للبنوك.
وانتعشت أسهم بعض الشركات الأخرى اليوم، عقب إعلان اتفاقيات جديدة خلال زيارة ولي العهد إلى واشنطن، والتي شملت مجالات الطاقة والتعدين والذكاء الاصطناعي. وشهد سهم “معادن” قفزة ملحوظة بعد توقيع مذكرة شروط مع “إم بي ماتيريالز” و”ماونتين جي في” لتطوير مشروع مشترك لإنتاج العناصر الأرضية النادرة. هذه الاتفاقيات تعزز قطاع التعدين في المملكة.
كما ارتفع سهم “أكوا باور” بنسبة 0.4%، إثر تصريح رئيس الشركة محمد أبو نيان، بأن تطوير الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات يحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية، وأن المملكة تتمتع بميزة تنافسية من حيث انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء.
بشكل عام، من المتوقع أن تشهد الأسواق السعودية تقلبات في الفترة القادمة، تأثراً بالقرارات الاقتصادية العالمية والإقليمية. ومن المهم متابعة تطورات أسعار الفائدة، وأداء الشركات القيادية، والسياسات الحكومية، لتقييم المخاطر والفرص الاستثمارية. تبقى رؤية المملكة 2030 محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وسيستمر التركيز على تنويع مصادر الدخل والاستثمار في القطاعات غير النفطية.

