لم يشهد عام 2024 الأداء القوي الذي توقع العديد من المستثمرين لسوق العملات المشفرة، وعلى رأسها البيتكوين. فبعد بداية واعدة، شهدت العملة الرقمية الرائدة انخفاضًا ملحوظًا، مما أثار مخاوف بشأن مستقبل هذا القطاع المتقلب. وتراجع سعر البيتكوين بنحو 10% مقارنةً بديسمبر الماضي، وفقدت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة حوالي تريليون دولار.

بدأ العام بتوقعات إيجابية، مدفوعة بآمال حول التنظيمات الأكثر مرونة، وانخفاض أسعار الفائدة، وزيادة اهتمام المؤسسات المالية الكبرى بالعملات الرقمية. ومع ذلك، لم تتحقق هذه التوقعات، وتسبب تراجع الأسعار في خسائر كبيرة للمستثمرين، خاصةً أولئك الذين دخلوا السوق في وقت متأخر.

تراجع أسعار البيتكوين وتأثيره على المستثمرين

يواجه العديد من المتداولين الأفراد حول العالم وضعًا مشابهًا لموقف خواكين موراليس، وهو طالب جامعي اضطر إلى شراء البيتكوين عدة مرات خلال فترات الانخفاض، ليجد نفسه في النهاية “يمسك بالسكين الساقطة”. ويرى خبراء أن الاندفاع نحو الاستثمار في العملات المشفرة، خاصةً بعد توقعات بإدارة أمريكية تدعم هذا القطاع، كان مبالغًا فيه.

وحذر ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في “إنتراكتيف بروكرز”، من أن سهولة الوصول إلى العملات المشفرة من خلال أدوات الاستثمار التقليدية قد شجعت المستثمرين على التسرع في اتخاذ القرارات. وأشار إلى أن الانخفاض الحاد في الأسعار في 10 أكتوبر كان بمثابة “جرس إنذار” ينذر بمخاطر السوق.

ذكريات “شتاء العملات المشفرة”

يعيد هذا التراجع في الأسعار إلى الأذهان أحداث عام 2022، عندما أدى انهيار منصة “إف تي إكس” إلى فترة طويلة من الانخفاضات في أسعار العملات المشفرة، والتي عُرفت باسم “شتاء العملات المشفرة”. على الرغم من ذلك، يرى بعض المحللين أن الوضع الحالي مختلف، وأن العملات المشفرة قد اكتسبت شعبية أوسع وأصبحت جزءًا من النظام المالي بشكل لا رجعة فيه.

يزداد اعتماد الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) للعملات المشفرة، مما يتيح للمستثمرين العاديين فرصة للاستثمار في هذا السوق بطريقة أكثر سهولة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم دخول المؤسسات المالية الكبيرة في زيادة الاستقرار في السوق، على الرغم من أن ذلك لا يضمن عدم حدوث المزيد من التقلبات.

استراتيجيات متفاوته لمواجهة التقلبات

مع اقتراب نهاية العام، بدأت الاستراتيجيات الاستثمارية في التغير. يتجه بعض المتداولين نحو العملات البديلة (altcoins) بحثًا عن فرص جديدة، بينما يفضل آخرون التمسك بالعملات الرائدة مثل البيتكوين. يرى فيليب شيمكوفياتش، وهو مستثمر من بولندا، أن العملات الأصغر تحمل إمكانات أكبر للابتكار وتحقيق عوائد عالية، على الرغم من المخاطر المرتبطة بها.

في المقابل، يتبنى خوسيه إستيبان أرابالو، وهو مسؤول قروض من فلوريدا، نهجًا أكثر تحفظًا، حيث يركز على الاستثمار طويل الأجل في البيتكوين. وعندما انخفض سعر العملة في أواخر نوفمبر، قام بشراء ما قيمته 10 آلاف دولار، وهو ما أثبت أنه توقيت جيد حتى الآن.

نظرة مستقبلية حذرة

يركز أرابالو على القيمة الأساسية للعملة الرقمية ويؤمن بأنها ستعود للارتفاع في الأشهر القادمة. ويعتبر البيتكوين بمثابة خطة تقاعد طويلة الأجل، ويستثمر الجزء الأكبر من محفظته في العقارات والعملات المشفرة وحسابات التقاعد التقليدية.

من ناحيته، يعتزم موراليس التحلي بالمزيد من الصبر في العام المقبل، وتقبل التقلبات قصيرة الأجل. ويؤكد على أهمية عدم المبالغة في رد الفعل تجاه كل تحرك في السوق، والتركيز على الصورة الأكبر.

مستقبل العملات المشفرة في عام 2026

بشكل عام، يشير الوضع الحالي إلى أن سوق العملات المشفرة قد دخل في مرحلة تصحيحية. ويرى خبراء أن هذا التصحيح قد يستمر في الأشهر القادمة، مع بقاء البيتكوين عرضة للتقلبات. سيكون من المهم مراقبة التطورات التنظيمية، ومواقف البنوك المركزية، والمشاريع الجديدة في مجال البلوك تشين، لتقييم المسار المستقبلي لهذا السوق. من المتوقع أن يشهد عام 2026 المزيد من الوضوح بشأن مستقبل العملات المشفرة، مع قرارات تنظيمية رئيسية قد تؤثر بشكل كبير على اتجاه السوق.

يبقى تحديد ما إذا كان هذا مجرد “شتاء” مؤقت، أم بداية فترة أطول من الركود، أمرًا غير مؤكد. يجب على المستثمرين توخي الحذر وإجراء أبحاثهم الخاصة قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية. يجب التركيز على التنويع والاستثمار طويل الأجل لتخفيف المخاطر المرتبطة بهذا السوق المتغير.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version