أقرّ مجلس الوزراء اللبناني، بعد جدل مطول، مشروع قانون “الانتظام المالي واستعادة الودائع” في خطوة تهدف إلى معالجة الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد. يهدف هذا القانون إلى تحديد المسؤوليات عن الفجوة المالية الضخمة التي أدت إلى تجميد ودائع المواطنين، ويهدف بشكل أساسي إلى استعادة أموال صغار المودعين، مما يمثل خطوة حاسمة نحو استعادة الثقة بالنظام المصرفي وجذب الاستثمارات الخارجية.
يأتي إقرار القانون في ظل ضغوط متزايدة من المودعين والمجتمع الدولي، حيث يواجه لبنان صعوبات كبيرة في الحصول على تمويلات ضرورية لإنعاش اقتصاده. ويتطلب القانون الآن موافقة مجلس النواب ليصبح نافذاً، وهو ما يثير تساؤلات حول المدة الزمنية التي قد يستغرقها هذا الإجراء التشريعي.
ما هو قانون الانتظام المالي في لبنان؟
يمثل قانون الانتظام المالي محاولة لتسوية فجوة مالية تقدر بنحو 80 مليار دولار، وهي خسائر تراكمت في النظام المصرفي نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك القروض المقدمة للحكومة من قبل مصرف لبنان، والاعتماد على الاستدانة من البنوك المحلية. وفقًا للحكومة، نشأت هذه الفجوة بسبب سوء الإدارة والفساد، مما أدى إلى عدم قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين.
ينص القانون على استرداد كامل ودائع صغار المودعين الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار أمريكي، على أن يتم السداد خلال فترة أقصاها أربع سنوات. تُعد هذه الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة، حيث يمثلون حوالي 85% من إجمالي المودعين في لبنان، وفقًا لتقديرات رسمية.
آلية استعادة الودائع
بالنسبة للمودعين المتوسطين والكبار، يقترح القانون منحهم مبلغ 100 ألف دولار أمريكي نقدًا، بالإضافة إلى سندات قابلة للتداول بقيمة المبلغ المتبقي من ودائعهم. هذه السندات ستكون مدعومة بأصول وموجودات مصرف لبنان، مما يمنحها قيمة فعلية وقدرة على السداد.
أكد رئيس الوزراء نواف سلام أن هذه السندات ليست مجرد وعود على الورق، بل مدعومة بنحو 50 مليار دولار من أصول مصرف لبنان، وأن المودعين سيتمكنون من استرداد 2% من قيمة هذه السندات سنويًا.
ستعتمد عملية السداد على موارد مصرف لبنان وأصوله، بالإضافة إلى مساهمة القطاع المصرفي. يهدف هذا النهج إلى توزيع الأعباء بشكل عادل وتقليل الأثر السلبي على الاستقرار المالي.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف القانون إلى إعادة بناء الثقة في النظام المالي والمصرفي من خلال تقييم أصول البنوك وإعادة هيكلتها. هذا من شأنه أن يسمح للبنوك باستعادة دورها في تمويل الاقتصاد وتحفيز النمو، والحد من انتشار الاقتصاد النقدي الموازي.
يأتي هذا القانون كجزء من سلسلة إصلاحات تهدف إلى تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بتنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة قبل الموافقة على برنامج تمويل للبنان. وتشمل هذه الإصلاحات رفع السرية المصرفية وإصلاح القطاع المصرفي.
الودائع المشبوهة والمسؤولية الحكومية: أشار رئيس الوزراء سلام إلى وجود “ودائع مشبوهة” تخضع للتحقيق، كما أكد أن الحكومة تتحمل جزءًا من خسائر المصارف، في محاولة لتخفيف الأعباء على المودعين.
القطاع المصرفي والتمويل: تعتبر إعادة رسملة البنوك خطوة أساسية لتمكينها من استئناف عمليات الإقراض ودعم الاقتصاد. كما أن استعادة الثقة في النظام المصرفي ستشجع على عودة الاستثمارات المحلية والأجنبية.
التعاون مع صندوق النقد الدولي: يأمل لبنان في أن يساهم إقرار هذا القانون في تفعيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والذي تم التوصل إليه في أبريل 2022، ولكنه ظل مجمدًا حتى الآن. ويعتبر هذا الاتفاق ضروريًا للحصول على تمويلات تقدر بنحو 3 مليارات دولار أمريكي.
الخطوة التالية هي إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. من المتوقع أن يشهد القانون نقاشات حادة ومعارضة من بعض الأطراف، خاصةً فيما يتعلق بآلية توزيع الخسائر وحقوق المودعين. يبقى من غير الواضح المدة التي سيستغرقها مجلس النواب لإقرار القانون، ولكن الحكومة تأمل في أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن لإنقاذ الاقتصاد اللبناني.

