أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاطعة قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، وتصريحاته حول “إبادة” المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، جدلاً واسعاً وانتقادات دولية. يعكس هذا الموقف نهجاً غربياً تاريخياً لطمس السيادة الأفريقية وتقويضها، بدلاً من الاعتراف بحق جنوب أفريقيا في تحديد أولوياتها على الساحة العالمية. هذه القضية المتعلقة بـ جنوب أفريقيا ليست مجرد خلاف سياسي، بل هي جزء من نمط أوسع من التدخل والضغط على الدول الأفريقية.

التصعيد في التوتر بين واشنطن وبريتوريا

في نوفمبر الماضي، انتقد ترامب بشدة مشاركة جنوب أفريقيا في مجموعة العشرين، وأعلن عن عدم إرسال أي مسؤول أمريكي إلى القمة التي تستضيفها بريتوريا. وجاء هذا الإعلان إثر تصريحاته حول أوضاع المزارعين البيض، والتي اتهمت الحكومة الجنوب أفريقية بارتكاب أعمال عنف تستهدفهم. أكدت السلطات الجنوب أفريقية مراراً وتكراراً عدم وجود دليل على اضطهاد منهجي أو “إبادة” للمزارعين البيض، واصفةً ادعاءات ترامب بأنها مبالغ فيها وتفتقر إلى المصداقية.

في فبراير، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بوقف المساعدات الأمريكية لـ جنوب أفريقيا، زاعماً أن سياسة الحكومة في مجال مصادرة الأراضي تميز ضد المزارعين البيض. إلا أن القانون الجنوب أفريقي ينص على أن مصادرة الأراضي يجب أن تتم من خلال إجراءات قانونية عادلة مع تعويض عادل لأصحابها.

دور الشبكات الإنجيلية والمحافظة الأمريكية

يُعتقد أن مواقف ترامب تتأثر بشكل كبير بشبكات إنجيلية ومحافظة قوية داخل الحزب الجمهوري. تُركز هذه الشبكات بشكل مستمر على قضايا الحرية الدينية، وتنتقد بشدة المؤسسات والسياسات الدولية التي تراها معادية للقيم الأمريكية أو المسيحية. غالباً ما تضخم هذه الشبكات الادعاءات بوجود اضطهاد للمسيحيين في الخارج، وتستخدمها لتبرير التدخل السياسي وحتى العسكري. يشير المراقبون إلى أن التركيز على جنوب أفريقيا يندرج ضمن هذا النمط، حيث يتم تصوير الدولة على أنها أزمة مصطنعة لإثارة قاعدة أنصار ترامب.

تحدي جنوب أفريقيا للقيادة الغربية التقليدية

تأتي هذه الخلافات في وقت تسعى فيه جنوب أفريقيا إلى لعب دور أكثر فاعلية في الحوكمة العالمية، بما في ذلك تعزيز دور مجموعة البريكس والدعوة إلى تمويل المناخ العادل. يشعر بعض المراقبين بأن صعود النفوذ الأفريقي يمثل تحدياً للقيادة الغربية التقليدية، وأن مواقف مثل مواقف ترامب تهدف إلى تقويض هذه الجهود.

تستضيف جنوب أفريقيا حالياً قمة مجموعة العشرين، وتسعى إلى استخدام هذه المنصة لدفع أجندة أكثر تعاوناً وإنصافاً. تركز رئاسة جنوب أفريقيا على إصلاح المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي، لمعالجة أوجه عدم المساواة الاقتصادية العالمية.

تم تفويض جنوب أفريقيا بإنشاء تقرير عالمي حول عدم المساواة في مجموعة العشرين، برئاسة الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستглиц. وكشف التقرير أن أغنى 1٪ في العالم استحوذوا على أكثر من 40٪ من الثروة الجديدة منذ عام 2000، وأنه يعيش أكثر من 80٪ من البشر في ظروف تصنفها البنك الدولي على أنها ذات عدم مساواة عالية. يعرض هذا التقرير رؤية مختلفة لمشهد الثروة العالمي، وهي رؤية لا تتماشى مع سرديات بعض الدول الغربية.

الأمر الإضافي الذي يثير الانتباه هو قضية جنوب أفريقيا المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية (ICJ) بشأن الوضع في غزة. يعتبر هذا الإجراء بمثابة تحدٍ للسياسة الخارجية الأمريكية، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تتردد في فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية عندما فتحت تحقيقاً في جرائم حرب محتملة في أفغانستان.

ما هو مستقبل العلاقات؟

من المحتمل أن تستمر التوترات بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا على المدى القصير، خاصة مع استمرار ترامب في حملاته الانتخابية. كما أن العلاقة بين البلدين ستشهد تقلبات بناءً على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.

تشير التوقعات إلى أن جنوب أفريقيا ستواصل جهودها لتعزيز التعاون الجنوبي-الجنوبي، والسعي إلى إصلاح الحوكمة العالمية، والدفاع عن مصالحها وسيادتها. من المتوقع أن تركز القمة المقبلة لمجموعة العشرين على قضايا عدم المساواة الاقتصادية، وتمويل المناخ، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية.

سيكون من المهم مراقبة رد فعل الولايات المتحدة على هذه المبادرات، وكيف ستتعامل مع تطور النفوذ الأفريقي على الساحة العالمية. وفي النهاية، ستعتمد قوة العلاقة بين البلدين على القدرة على تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتركيز على المصالح المشتركة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version