ظلّ اسم علي شمخاني، القيادي الأمني الإيراني البارز، محطّ أنظار ومحلّ اهتمام دولي لأكثر من أربعة عقود. لكنّ السنوات الأخيرة شهدت تركيزاً متزايداً على دوره وعلاقة ابنه، حسين شمخاني، بشبكة معقدة لتهريب النفط وتجاوز العقوبات الغربية المفروضة على إيران. هذه الشبكة، التي أصبحت تُعرف بـ”أسطول الظل”، تثير تساؤلات حول مدى تأثير الفساد الاقتصادي على صناعة القرار في طهران.
تُتهم هذه الشبكة، بقيادة حسين شمخاني، بتولي عمليات شحن وتجارة نفط واسعة النطاق، مما يُفقد إيران إيرادات كبيرة وفرصة لتعزيز اقتصادها. وتشمل هذه الاتهامات استخدام شركات وهمية، وتغيير مسارات السفن، وتزوير الوثائق لإخفاء مصدر النفط والوجهات النهائية له.
مسيرة علي شمخاني المهنية
وُلد علي شمخاني عام 1955 في الأحواز، جنوب غربي إيران. بدأ مسيرته العسكرية خلال الحرب الإيرانية – العراقية، حيث قاد القوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي، ثم تولى قيادة القوات البحرية في الجيش النظامي، وهو ما رسّخ نفوذه في المؤسسة العسكرية والأمنية.
بين عامي 1997 و 2005، شغل منصب وزير الدفاع في حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وساهم في محاولات للحوار مع دول الخليج. وبعد ذلك، عُيّن أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي في عام 2013، واستمر في هذا المنصب حتى مايو 2023، خلال حكومتي حسن روحاني وإبراهيم رئيسي.
بعد استقالته من أمانة المجلس، عينه المرشد الإيراني علي خامنئي مستشاراً سياسياً له، وعضواً في مجمع تشخيص مصلحة النظام، في خطوة اعتبرها مراقبون دليلاً على استمرار نفوذه في مركز صنع القرار.
العقوبات الأميركية على شمخاني ونجله
في يناير 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على علي شمخاني، باعتباره الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، على خلفية الضربات الصاروخية التي استهدفت قواعد أميركية في العراق، رداً على اغتيال قاسم سليماني. لم تكن هذه العقوبات مرتبطة بالفساد المالي بشكل مباشر، بل بتورطه في أنشطة تهدد الأمن الإقليمي.
لكنّ العقوبات الأكثر أهمية جاءت في يوليو 2025، عندما استهدفت وزارة الخزانة الأميركية شبكة واسعة يُزعم أنها تابعة لحسين شمخاني. ووصف هذا الإجراء بأنه “أكبر إجراء مرتبط بإيران منذ 2018″، حيث تم إدراج أكثر من 50 فرداً وكياناً، بالإضافة إلى تحديد أكثر من 50 سفينة مرتبطة بالشبكة.
كيف تعمل شبكة “أسطول الظل”؟
تعتمد الشبكة على أساليب مختلفة للتهرب من العقوبات، وفقًا لوزارة الخزانة الأميركية. تشمل هذه الأساليب استخدام شركات واجهة، وتبديل أعلام السفن، وتعطيل نظام التعريف الآلي (AIS)، وإجراء عمليات نقل بحرية سرية، وتزوير وثائق الشحن. تهدف هذه التكتيكات إلى إخفاء مصدر النفط والجهات الفاعلة الرئيسية في هذه التجارة.
تتضمن هذه العمليات أيضًا تخزين كميات كبيرة من النفط الإيراني على متن ناقلات قبالة السواحل الآسيوية، وخاصة بالقرب من الصين وماليزيا وسنغافورة. وتقدّر كميات النفط المخزّنة بنحو 120 مليون برميل منتصف عام 2025، مما يشير إلى قدرة الشبكة على الاستمرار في تصدير النفط على الرغم من العقوبات.
صلات بالتعاون الإيراني الروسي
تتعمق الاتهامات الموجهة لشبكة حسين شمخاني مع وجود أدلة على تورطها في نقل صواريخ ومكونات طائرات مسيرة بين إيران وروسيا. يُزعم أن هذه الصفقات تمثل جزءًا من تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، خاصة خلال حرب أوكرانيا. ويدعي تقارير إخبارية أن سفينة في ميناء “أوليا” الروسي تعرضت لهجوم من قبل أوكرانيا في عام 2025، وذلك للاشتباه في أنها تحمل معدات عسكرية إيرانية.
يلعب صندوق التحوط “Ocean Leonid Investments” دورًا محوريًا في تدوير الأموال الناجمة عن هذه التجارة، وفقًا للتحقيقات. وتشير التقارير إلى أن الصندوق يدير محفظة بمئات الملايين من الدولارات، ويستثمرها في عقود مشتقة مالية على الطاقة والمعادن.
تداعيات العقوبات والجدل الاجتماعي
انضمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على شبكة شمخاني، مؤكدين أن هذه الشبكة تساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتجاوز العقوبات الدولية. يرى هؤلاء أن “أسطول الظل” يمثل تحدياً كبيراً للجهود المبذولة للحد من قدرة إيران على تمويل أنشطتها.
أثارت صور حفل زفاف ابنة علي شمخاني في طهران جدلاً واسعاً، حيث أظهرت مظاهر البذخ والتناقض الصارخ مع الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الكثير من الإيرانيين. وقد أثارت هذه الصور غضبًا واسعًا، وزادت من الاتهامات الموجهة للنخب الحاكمة بالفساد والاستهتار بمعاناة الشعب.
يشير المراقبون إلى أن هذه القضية قد تؤدي إلى مزيد من الضغوط الداخلية على الحكومة الإيرانية، وتعميق حالة عدم الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة. ومن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في ممارسة الضغوط على إيران من خلال فرض المزيد من العقوبات والتحقيقات في أنشطة شبكة شمخاني. وتشير التوقعات إلى أن العقوبات المفروضة على إيران قد تشتد في الأشهر القادمة، خاصةً في حال استمرار التعاون مع روسيا في مجال الأسلحة والنفط. وسيكون من المهم متابعة رد فعل طهران وتداعيات ذلك على المنطقة والعالم.

