أصدرت فرنسا لأول مرة “سندات الدفاع الأوروبية” لجمع مليار يورو لدعم شركاتها الدفاعية، وشهدت إقبالًا كبيرًا تجاوزت فيه الطلبات ثلاثة أضعاف المبلغ المعروض. حيث جاء ثلثا المستثمرين من خارج فرنسا، مما يعكس دعمًا أوروبيًا متزايدًا للمبادرة.
أعلن بنك الاستثمار العام الفرنسي (Bpifrance) أن السندات، التي تستحق خلال خمس سنوات، لاقت إقبالًا قويًا، حيث تجاوز إجمالي الطلبات 3.8 مليار يورو. وأوضح البنك أن 66% من التخصيصات كانت لمستثمرين خارج فرنسا، بما في ذلك 22% من دول الشمال الأوروبي و20% من جنوب أوروبا.
دعم الصناعات الدفاعية الأوروبية
جاءت هذه الخطوة في إطار سعي فرنسا لتعزيز الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي والقدرات الدفاعية الأوروبية. وأكد نيكولا دوفورك، الرئيس التنفيذي لـ Bpifrance، أن هذه المبادرة تأتي لدعم الشركات المبتكرة وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورًا حاسمًا في سلسلة القيمة الدفاعية.
سيتم استخدام عائدات الإصدار لتمويل أو إعادة تمويل القروض المخصصة لقطاع الدفاع في إطار برنامج “Def’fi” التابع لـ Bpifrance، الذي يوفر تمويلًا مخصصًا للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تزود القطاع الدفاعي.
التحديات المتعلقة بالديون المشتركة
وفي سياق متصل، تواجه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تعاني من ضائقة مالية، تحديات في إعادة التسلح بسرعة وكفاءة في ظل التهديد الروسي. وقد طرحت المفوضية الأوروبية خطة تستهدف استثمار ما يصل إلى 800 مليار يورو في الدفاع بحلول نهاية العقد.
ومع ذلك، يظل التمويل تحديًا كبيرًا، حيث يعتمد معظم التمويل على صناديق الدول الأعضاء من خلال تفعيل بند الهروب الوطني في ميثاق الاستقرار والنمو بالاتحاد الأوروبي. وقد سمحت المفوضية حتى الآن لـ 16 دولة بالانحراف عن القواعد المالية الصارمة لزيادة الإنفاق على الدفاع.
معارضة بعض الدول للديون المشتركة
وفي هذا السياق، ترفض بعض الدول، التي تُعرف بـ “الدول البخيلة”، فكرة الديون المشتركة، بحجة أن تجربة خطة التعافي بعد جائحة كورونا أظهرت عدم استدامة الديون المشتركة بسبب ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة.
وفي محاولة لتجاوز هذه التحديات، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات لتقليل البيروقراطية التي تواجه شركات الدفاع، بما في ذلك تحسين فرص الحصول على التمويل. ومن بين التحديات التي تواجهها الشركات الدفاعية، المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) التي قد تجعل من الصعب على الشركات في قطاع الدفاع الحصول على القروض أو الخدمات.
التحول نحو تمويل بديل
وأطلق Bpifrance مؤخرًا صندوقًا جديدًا مفتوحًا للمستثمرين الخاصين بحد أدنى للإيداع يبلغ 500 يورو، لدعم الشركات الناشئة غير المدرجة والشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الدفاع. ويبلغ الحجم المستهدف للصندوق 450 مليون يورو.
وفي ظل هذه التطورات، ينتظر أن تتخذ المفوضية الأوروبية خطوات إضافية لدعم الصناعات الدفاعية، مع استمرار النقاش حول أفضل السبل لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية. وتظل مسألة الديون المشتركة وتأثيرها على استقرار المالية العامة الأوروبية محل جدل ومتابعة.
مع استمرار التوترات الجيوسياسية، سيظل تمويل الصناعات الدفاعية أولوية بالنسبة للدول الأوروبية. وستكون الخطوات القادمة للمفوضية الأوروبية وتصريحات الدول الأعضاء حاسمة في تحديد مسار التعاون الدفاعي الأوروبي في الفترة المقبلة.

