كشفت تقارير حديثة عن خطوة جريئة اتخذتها شرطة مدينة جوديير في ولاية أريزونا الأمريكية، حيث بدأت في استخدام أداة الذكاء الاصطناعي ChatGPT لإنتاج صور للمشتبه بهم. هذه الممارسة، التي تعتبر الأولى من نوعها على نطاق واسع في أجهزة الشرطة الأمريكية، تثير تساؤلات حول الدقة والأخلاقيات والتحيزات المحتملة في استخدام الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الجنائية. وتأتي هذه الخطوة في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في عمل الشرطة.
تستخدم شرطة جوديير هذه التقنية ليس فقط للتعرف على الأشخاص من خلال كاميرات المراقبة، وهو أمر شائع بالفعل، بل لإنشاء صور واقعية لوجوه المشتبه بهم بناءً على أوصاف الشهود. ثم يتم نشر هذه الصور على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف الحصول على معلومات إضافية من الجمهور قد تساعد في تحديد هوياتهم وتسهيل عملية التحقيق.
الذكاء الاصطناعي يصبح جزءًا من فريق التحقيق
وفقًا لتقارير، يتم التعامل مع ChatGPT داخل قسم الشرطة على أنه عضو فعال في فريق التحقيق. بدلاً من الاعتماد على الرسوم اليدوية التقليدية التي يرسمها فنانو الرسوم الجنائية، يلجأ الضباط إلى الأداة لإنتاج صور تبدو أكثر واقعية وقربًا من ملامح المشتبه بهم المحتملين.
أعلنت شرطة جوديير، الواقعة في منطقة ضواحي فينيكس، عن استخدامها لهذه التقنية عبر حساباتها الرسمية، معربة عن أملها في أن تساهم هذه الأدوات الجديدة في حل المزيد من القضايا المعقدة، ليس فقط في أريزونا بل في جميع أنحاء البلاد.
وكانت أول صورة تم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي جزءًا من تحقيق في قضية خطف. وأكدت الشرطة أنها تلقت عددًا كبيرًا من البلاغات بعد نشر الصورة، على الرغم من أنها لم تؤدِ حتى الآن إلى أي اعتقالات.
زيادة التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي
أشار مايك بوناسيرا، فنان الرسوم الجنائية في شرطة جوديير، إلى أن الدافع الرئيسي وراء هذا التحول ليس بالضرورة تحسين الدقة أو الفعالية، بل هو الرغبة في زيادة التفاعل مع منشورات الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف بوناسيرا أن الرسوم التقليدية غالبًا ما تمر مرور الكرام دون أن تلقى اهتمامًا كبيرًا، بينما الصور التي تبدو “حقيقية” أو “فوتوغرافية” والتي ينتجها الذكاء الاصطناعي تجذب انتباه الجمهور، وخاصة الشباب.
وتؤكد شرطة جوديير أن الصور التي تنشرها ليست “مولدة بالكامل” بواسطة الذكاء الاصطناعي، بل هي نتيجة عملية تبدأ برسمة جنائية تقليدية يقوم بها الفنان بناءً على أوصاف الشهود، ثم يتم استخدام ChatGPT لتحسين هذه الرسمة وجعلها أكثر واقعية.
مخاوف قانونية وأخلاقية
أبدى خبراء قانونيون قلقهم بشأن استخدام هذه التقنية، مشيرين إلى المخاطر المحتملة المتعلقة بالدقة والتحيزات. وحذر برايان شوارتز، أستاذ القانون في جامعة أريزونا، من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تكون متحيزة في إنتاج الصور، وتميل إلى تمثيل الوجوه البيضاء بدقة أكبر من الوجوه المنتمية إلى أعراق أخرى.
هذا التحيز المحتمل يمكن أن يؤدي إلى تحديد خاطئ للمشتبه بهم، خاصة إذا كانت أوصاف الشهود غير دقيقة أو إذا كانت هناك اختلافات عرقية بين المشتبه بهم الفعليين والصور التي تم إنتاجها. بالإضافة إلى ذلك، يثير استخدام هذه التقنية تساؤلات حول حقوق الخصوصية للمشتبه بهم المحتملين.
تتزايد المناقشات حول تقنيات التعرف على الوجه واستخدامها من قبل جهات إنفاذ القانون، مع التركيز على الحاجة إلى وضع ضوابط وإجراءات لضمان عدم إساءة استخدام هذه التقنيات وانتهاك الحقوق المدنية. كما أن هناك جدلاً متصاعدًا حول الشفافية والمساءلة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة الجنائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إنتاج صور المشتبه بهم قد يؤثر على دور فنان الرسوم الجنائية التقليدي. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه التقنية يمكن أن تكون أداة قيمة تساعد الفنانين على تحسين عملهم وتقديم صور أكثر دقة وواقعية.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من التطورات في هذا المجال، مع استمرار شرطة جوديير في استخدام هذه التقنية وتقييم فعاليتها. كما من المرجح أن تدرس أجهزة الشرطة الأخرى في الولايات المتحدة إمكانية تبني هذه الممارسة.
ما يجب مراقبته هو كيفية تعامل المحاكم مع الأدلة التي تم الحصول عليها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت ستعتبر هذه الأدلة مقبولة في الإجراءات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم متابعة النقاش الدائر حول الحاجة إلى وضع قوانين ولوائح تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال إنفاذ القانون لحماية الحقوق المدنية وضمان العدالة.










