في خطوة جديدة تعكس ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد المصري، استقبلت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس استثمارات صينية جديدة بقيمة 65 مليون دولار في مجال صناعة الغزل والنسيج، وذلك داخل منطقة العين السخنة الصناعية.
هذه الاستثمارات تمثل إضافة نوعية لمسار التنمية الصناعية في مصر، خاصة وأنها تأتي في قطاع حيوي ارتبط طويلاً بتاريخ الصناعة الوطنية.
العقود الجديدة تشمل أربعة مشروعات كبرى لشركات صينية عاملة في مجال النسيج، تم توقيعها داخل مدينة “سخنة 360” الصناعية، على مساحة تمتد إلى 238 ألف متر مربع، ومن المنتظر أن توفر هذه المشروعات أكثر من 3 آلاف فرصة عمل مباشرة، إلى جانب مئات الفرص غير المباشرة في مجالات النقل والخدمات وسلاسل التوريد.
قناة السويس الاقتصادية.. من ممر عالمي إلى منصة صناعية متكاملة
تشهد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تحولًا نوعيًا جعلها واحدة من أبرز الوجهات الاستثمارية في الشرق الأوسط وإفريقيا، بفضل ما تتمتع به من موقع استراتيجي فريد على مفترق الطرق بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، إضافة إلى البنية التحتية المتطورة والحوافز الاستثمارية غير المسبوقة.
المنطقة تضم اليوم 6 موانئ بحرية و4 مناطق صناعية كبرى، ما يمنحها تكاملًا لوجستيًا وصناعيًا يجعلها قادرة على جذب مختلف القطاعات الإنتاجية، من الطاقة والبتروكيماويات إلى النسيج والإلكترونيات.
وتواصل الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية جهودها في تبسيط الإجراءات وتسريع تراخيص التشغيل لتسهيل دخول الاستثمارات الجديدة وبدء الإنتاج في أسرع وقت ممكن.
الغزل والنسيج.. قطاع واعد يعود بقوة
يمثل قطاع الصناعات النسيجية أحد الركائز التاريخية للاقتصاد المصري، إذ لعب دورًا مهمًا في دعم التصدير وتوفير فرص العمل لعقود طويلة.
اليوم، تسعى مصر إلى إحياء هذا القطاع الاستراتيجي من خلال إنشاء منظومات صناعية متكاملة تشمل جميع مراحل الإنتاج من الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز وحتى التصنيع النهائي للمنتجات الجاهزة.
وتركز الرؤية الجديدة على تعميق التصنيع المحلي وزيادة القيمة المضافة، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق الإقليمية والعالمية.
استقطاب الشركات الصينية العاملة في هذا المجال يعد خطوة مهمة نحو نقل التكنولوجيا الحديثة وتوطين الخبرات الفنية، إلى جانب خلق فرص عمل نوعية للشباب المصري في بيئة صناعية حديثة.
ثقة المستثمرين الصينيين.. شهادة نجاح للمناخ الاقتصادي المصري
تُعد الاستثمارات الصينية الجديدة في منطقة العين السخنة انعكاسًا مباشرًا لثقة المستثمر الأجنبي في المناخ الاقتصادي والاستثماري بمصر.
المنطقة الصناعية شهدت في السنوات الأخيرة طفرة في تطوير البنية التحتية والخدمات الذكية، ما جعلها من أكثر المناطق جذبًا للمستثمرين في المنطقة.
وتعمل الهيئة الاقتصادية لقناة السويس على تطبيق أنظمة رقمية متطورة لإدارة المرافق والطاقة والنفايات، ضمن خططها للتحول إلى مناطق صناعية ذكية ومستدامة.
هذه الرؤية الحديثة ساهمت في تعزيز جاذبية المنطقة للشركات العالمية التي تبحث عن بيئة إنتاج آمنة وفعالة وقريبة من الأسواق الدولية.
خطوة استراتيجية نحو استعادة الريادة
قال الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، إنّ الاستثمارات الصينية الجديدة في منطقة العين السخنة الصناعية تمثل خطوة استراتيجية على طريق استعادة مصر لريادتها الصناعية القديمة، خاصة في صناعة الغزل والنسيج التي كانت أحد أعمدة الاقتصاد الوطني لعقود طويلة.
عودة التاريخ في ثوب جديد
أوضح الشامي أن هذه الاستثمارات، التي بلغت 65 مليون دولار وتضم 4 مشروعات كبرى على مساحة 238 ألف متر مربع، تأتي امتدادًا لنهج الدولة في جذب الصناعات التحويلية وتوطين التكنولوجيا، مشيرًا إلى أن الغزل والنسيج ليس مجرد قطاع إنتاجي بل رمز للهوية الاقتصادية المصرية منذ عصر الصناعة الوطنية في منتصف القرن الماضي.
وأضاف أن التعاون مع الصين في هذا المجال يعيد إلى الأذهان دور مصر الريادي في المنطقة عندما كانت مركزًا للتصدير والصناعة في الخمسينيات والستينيات، مشيرًا إلى أن الشراكات الجديدة تمثل نقلة نوعية نحو التصنيع المتكامل، بدءًا من الغزل والنسيج مرورًا بالصباغة والتجهيز وحتى المنتج النهائي الجاهز للتصدير.
السخنة.. منصة جديدة للتكامل الصناعي
وأشار الشامي إلى أن منطقة “سخنة 360” الصناعية أصبحت نموذجًا مصغرًا لمفهوم المنطقة الاقتصادية الذكية، بفضل تكامل البنية التحتية والموقع الجغرافي الفريد على البحر الأحمر وقربها من قناة السويس، ما يمنحها ميزة تنافسية في النقل والتصدير إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية والآسيوية.
وأكد أن جذب الشركات الصينية يعكس ثقة المستثمر الأجنبي في المناخ الاقتصادي المصري، خاصة بعد ما شهدته المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من تحسينات تشريعية وحوافز ضريبية وجمركية، جعلتها ضمن أهم الوجهات الاستثمارية في المنطقة.
فرص العمل وتعميق التصنيع المحلي
أضاف الشامي أن المشروعات الجديدة ستوفر أكثر من 3 آلاف فرصة عمل مباشرة إلى جانب فرص غير مباشرة في سلاسل التوريد والنقل والخدمات اللوجستية، موضحًا أن تعميق التصنيع المحلي من خلال هذه المشروعات يرفع القيمة المضافة للمنتج المصري، ويقلل من الاعتماد على الواردات، ما ينعكس إيجابًا على الميزان التجاري والعملة الصعبة.
كما أشار إلى أن دخول الشركات الصينية بخبراتها في إدارة سلاسل الإنتاج وتطبيق التكنولوجيا الحديثة سيساهم في نقل المعرفة ورفع كفاءة العمالة المحلية، لتتحول مصر من دولة مستوردة للمنتجات النسيجية إلى دولة مصدّرة ذات علامة تجارية وطنية قوية.
مصر تعود مركزًا إقليميًا للصناعة
ويرى الشامي أن الدولة المصرية تخطو بثبات نحو جعل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس منصة متكاملة للصناعة والتصدير، مشيرًا إلى أنها تضم اليوم 6 موانئ بحرية و4 مناطق صناعية، وهو ما يمنحها تكاملًا لوجستيًا فريدًا لا يتوفر في كثير من المناطق المنافسة حول العالم.
وأكد أن الاستثمار في البنية التحتية وتطوير الحلول الذكية في إدارة المناطق الصناعية يجعل من السخنة وجهة مثالية للشركات العالمية التي تبحث عن مواقع إنتاج قريبة من الأسواق الكبرى بتكاليف تشغيل تنافسية.
السخنة ترسم ملامح مستقبل الصناعة المصرية
ما تشهده منطقة العين السخنة اليوم من استثمارات صينية جديدة ليس مجرد توسع في حجم رؤوس الأموال الأجنبية، بل هو تجسيد عملي لرؤية مصر نحو اقتصاد إنتاجي حقيقي يعتمد على الصناعة والتصدير كمحركين رئيسيين للنمو.
فهذه المشروعات تمثل شراكة استراتيجية بين مصر والصين تقوم على تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا وتوطين المعرفة، بما يعزز مكانة البلاد على خريطة الصناعة العالمية.
إن ما يحدث في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يعكس تحولًا نوعيًا في فلسفة التنمية من الاكتفاء بجذب الاستثمارات إلى بناء منظومات صناعية متكاملة تخلق فرص عمل وتدعم سلاسل التوريد وتنهض بالاقتصاد الوطني.
وبينما تواصل السخنة جذب المزيد من المستثمرين العالميين، فإنها تمضي بخطى واثقة نحو أن تصبح عاصمة الصناعة الحديثة في الشرق الأوسط، ومنارة جديدة تحمل شعار: “صنع في مصر.. بجودة عالمية ورؤية مستقبلية”.