قبل ستة أشهر، أطلقت المملكة العربية السعودية شركة “هيوماين” بهدف الاستثمار بقوة في قطاع الذكاء الاصطناعي، مستفيدةً من مواردها الهائلة. وتسعى الشركة الآن إلى ترسيخ مكانتها من خلال سلسلة من الصفقات الاستثمارية المتسارعة. آخر هذه الصفقات، قيادة جولة تمويل بقيمة 900 مليون دولار في شركة “لوما إيه آي” (Luma AI)، وهي شركة ناشئة أمريكية متخصصة في إنتاج الفيديو باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
جاء هذا الاستثمار، الذي أُعلن عنه الأربعاء الماضي، بمشاركة الذراع الاستثمارية لشركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (Advanced Micro Devices) وصندوق “أندريسن هورويتز” (Andreessen Horowitz)، ليرفع تقييم شركة “لوما” إلى 4 مليارات دولار. ويأتي هذا التمويل في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سباقاً محمومًا للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
“هيوماين” والتحول إلى قوة في مجال الذكاء الاصطناعي
تعتبر “لوما إيه آي” عميلاً رئيسياً لمجمع مراكز البيانات الضخم الذي تقوم “هيوماين” ببنائه في المملكة العربية السعودية، والذي من المتوقع أن تصل طاقته إلى 2 غيغاواط. هذه القدرة الكهربائية كافية لتزويد حوالي 750 ألف منزل أمريكي بالكهرباء. أعلنت “هيوماين” عن شراكة مع “إيه إم دي” و”سيسكوسيستمز” لإنشاء هذه المراكز، مما يعكس طموح المملكة في أن تصبح مركزاً إقليمياً للحوسبة المتقدمة.
وصف طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة “هيوماين”، هذه الخطوة بأنها محاولة لإنشاء نسخة شرق أوسطية من “كور ويف” (CoreWeave)، وهي شركة رائدة في مجال الحوسبة السحابية توفر الوصول إلى شرائح الذكاء الاصطناعي مقابل رسوم اشتراك. يهدف هذا النموذج إلى توفير البنية التحتية اللازمة للشركات الناشئة والمؤسسات التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة في الأجهزة.
توسيع نطاق الشراكات العالمية
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت “هيوماين” عن شراكة مع “غلوبال إيه آي” (Global AI)، التي تقدم خدمات الحوسبة السحابية لشركة “إنفيديا” (Nvidia)، بهدف توسيع نطاق مراكز البيانات في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم. كما كشفت وحدة الحوسبة السحابية في “أمازون” و”هيوماين” عن خطة لتشغيل 150 ألف معالج للذكاء الاصطناعي في مركز البيانات الجديد في الرياض.
وفي تطور لافت، أعلن إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة “إكس إيه آي” (xAI)، أن شركته تخطط لتطوير مركز بيانات بقدرة 500 ميغاواط في السعودية بالتعاون مع “هيوماين”. تُظهر هذه الشراكات المتعددة التزام “هيوماين” ببناء نظام بيئي متكامل لدعم تطوير ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
دور “هيوماين” في استراتيجية المملكة
تأسست “هيوماين” في مايو الماضي، كجزء من جهود المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط، وتحويل نفسها إلى قوة عالمية في مجال التكنولوجيا. تتمتع الشركة بدعم كبير من الصندوق السيادي السعودي، الذي تتجاوز أصوله تريليون دولار، بالإضافة إلى شركة النفط العملاقة “أرامكو السعودية”.
أعلنت “هيوماين” أن صندوقها الاستثماري الجريء من المتوقع أن يصل رأسماله إلى 10 مليارات دولار، مما يجعلها واحدة من أكبر الشركات الاستثمارية في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. يأتي هذا الاستثمار في وقت تشهد فيه المنطقة الخليجية منافسة شديدة لجذب الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
يرى أميت جاين، الرئيس التنفيذي لشركة “لوما”، أن وفرة الطاقة في المملكة العربية السعودية تمثل ميزة تنافسية كبيرة لمطوري الذكاء الاصطناعي الذين يحتاجون إلى موارد حوسبة ضخمة. وأضاف أن “هيوماين” تُعد من أسرع الشركات في العالم في بناء وتوسيع قدراتها في مجال البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
الاستثمارات تتزامن مع زيارة ولي العهد
جاء إعلان الاستثمار في “لوما إيه آي” خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، حيث تفاوض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مجموعة من الصفقات. تعتبر هذه الزيارة الأولى لولي العهد إلى الولايات المتحدة منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.
أعلن الأمير محمد بن سلمان خلال لقائه مع الرئيس ترامب أن المملكة ستنفق حوالي 50 مليار دولار على شرائح الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. وتستعد الحكومة الأمريكية للموافقة على بيع شرائح ذكاء اصطناعي متقدمة لشركة “هيوماين”، وهي خطوة كانت تثير مخاوف بشأن احتمال انتقال هذه التقنيات إلى الصين.
وقد أبرمت “هيوماين” صفقات مع العديد من الشركات الأمريكية المصنعة للرقائق، بما في ذلك “إيه إم دي” و”إنفيديا” و”كوالكوم” و”غروك”. تعهدت الشركة ببناء 6.6 غيغاواط من القدرة الحوسبية بحلول عام 2034، وهو مشروع طموح يهدف إلى جعل المملكة العربية السعودية مركزاً عالمياً للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
في الوقت الحالي، تعمل “هيوماين” على استكمال مركز البيانات المخصص لشركة “لوما إيه آي”، والذي يُطلق عليه اسم “مشروع هالو” (Project Halo). من المقرر أن يبدأ الموقع في تشغيل أول غيغاواط من الطاقة بحلول عام 2030، على الرغم من أن الموعد النهائي للوصول إلى كامل القدرة البالغة 2 غيغاواط لم يتم تحديده بعد.
تطوّر “لوما إيه آي”، التي تأسست عام 2021، أدوات ذكاء اصطناعي لإنتاج الفيديو ووسائط أخرى بناءً على أوامر نصية بسيطة، وتنافس شركات ناشئة أخرى مثل “رانواي إيه آي” و”أوبن إيه آي”. مع استثمارها الجديد، تخطط “لوما” لتطوير ما يُعرف بـ”نماذج العالم”، وهي أنظمة ذكاء اصطناعي تتنبأ بدقة أكبر بحركة الأشخاص والأشياء في العالم الواقعي.
من المتوقع أن تشهد المملكة العربية السعودية المزيد من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي في الأشهر القادمة، حيث تسعى “هيوماين” إلى بناء نظام بيئي متكامل لدعم الابتكار والنمو في هذا القطاع الحيوي. وستكون الخطوة التالية هي الحصول على الموافقات اللازمة وتخصيص الطاقة المطلوبة لبدء بناء مراكز البيانات الجديدة، وتوسيع نطاق الشراكات مع الشركات العالمية الرائدة.










