تتصاعد التوترات بين الصين واليابان بشكل ملحوظ، على خلفية تصريحات أدلت بها رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان، مما أثار موجة من الانتقادات المتبادلة والاتهامات. وتفاقم الأزمة بسبب ما وصفه مراقبون بـ”غياب قنوات تواصل قوية ومستقرة” بين البلدين، الأمر الذي يعيق جهود احتواء الخلاف المتزايد. هذا التصعيد يهدد الاستقرار الإقليمي، ويضع العلاقات بين القوتين الآسيويتين على المحك.
بدأت شرارة الأزمة في أوائل شهر نوفمبر الجاري، عندما أشارت تاكايتشي إلى أن أي صراع محتمل في مضيق تايوان قد يشكل “تهديداً وجودياً” لليابان، الأمر الذي يبرر، بموجب الدستور الياباني، إمكانية نشر قوات عسكرية يابانية والانخراط في أي مواجهة. وقد اعتبرت بكين هذه التصريحات بمثابة تجاوز “للخط الأحمر”، وأدانته بشدة.
تصاعد الأزمة بين الصين واليابان وتأثيرها الإقليمي
لم يقتصر تأثير هذه الأزمة على العلاقات الثنائية بين الصين واليابان فحسب، بل امتد ليشمل علاقات البلدين مع كوريا الجنوبية. حيث أعلنت الصين، يوم الاثنين، تأجيل اجتماع ثلاثي لوزراء الثقافة كان من المقرر عقده بين بكين وطوكيو وسول، كما رفضت مقترحاً يابانياً لعقد قمة ثلاثية في يناير المقبل. وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، ماو نينج، أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لتصريحات تاكايتشي التي “قوضت الأساس والأجواء للتعاون الثلاثي”.
تعتبر قضية تايوان من القضايا الحساسة للغاية في العلاقات الصينية اليابانية. وتؤكد الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنها لا تستبعد استخدام القوة لتحقيق “الوحدة” مع الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي. في المقابل، تحافظ اليابان على علاقات غير رسمية قوية مع تايوان، وتدعم الحفاظ على الوضع الراهن.
ردود فعل دولية وتصعيد لغوي
أثارت تصريحات تاكايتشي رد فعل سريع من بكين، حيث وجهت اتهامات مباشرة لليابان بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقامت السفارة الصينية في اليابان، بنشر رسالة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، أشارت فيها إلى أن الصين تحتفظ بحق اتخاذ “إجراءات عسكرية مباشرة” في حال شعرت بتهديد، في إشارة إلى أي تدخل ياباني في قضية تايوان.
في المقابل، رفضت اليابان هذه الاتهامات، مؤكدة التزامها بالسلام ورفضها لأي شكل من أشكال العدوان. ووصفت وزارة الخارجية اليابانية تصريحات الصين بأنها “غير مقبولة على الإطلاق”. كما دعت طوكيو إلى مزيد من الحوار والتعاون بين البلدين لتجنب المزيد من التصعيد.
غياب قنوات الاتصال وسيناريوهات التصعيد
ويرى مراقبون أن أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم الأزمة هو ضعف قنوات الاتصال الدبلوماسية بين الصين واليابان. فقد أشارت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” إلى أن حكومة تاكايتشي تفتقر إلى شخصيات تتمتع بعلاقات قوية مع الحزب الشيوعي الصيني، وهو ما يعيق الحوار والتفاهم المتبادل. وقد ساهم خروج حزب “كوميتو” من الحكومة، وهو الحزب المعروف بدور الوساطة بين البلدين، في تفاقم هذه المشكلة.
إضافة إلى ذلك، يشير المحللون إلى أن لدى تاكايتشي تحالفات قوية مع سياسيين مؤيدين لتايوان، مما يجعل من الصعب عليها التراجع عن مواقفها الحالية. ورغم اعترافها بأن تصريحاتها قد أثارت رد فعل عنيفاً، إلا أنها رفضت التراجع عن موقفها الأساسي بشأن تايوان.
التأثير الاقتصادي المحتمل
تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لليابان، حيث تستحوذ على حصة كبيرة من صادراتها. ويشعر البعض بالقلق من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تعطيل التجارة والاستثمار بين البلدين، مما يضر بالاقتصاد الياباني. وقد أشارت المتحدثة اليابانية ماكي كوباياشي إلى أن اليابان تعتمد على الصين في استيراد المعادن الأرضية النادرة، وأن طوكيو تعمل على تقليل هذا الاعتماد.
وفي بيان رسمي، انتقد وزير الخارجية الصيني وانج يي بشدة تصريحات تاكايتشي، واعتبرها محاولة للتدخل العسكري في قضية تايوان. وحذر من أن الصين قد ترد بحزم على أي خطوة يابانية تهدد سيادتها وسلامة أراضيها. كما اتهم وانج اليابان بتجاهل تاريخها العدواني، ودعا إلى إعادة النظر في جرائمها التاريخية.
من جهتها، أعربت وزارة الخارجية التايوانية عن استيائها من الرسالة الصينية الموجهة إلى الأمم المتحدة، واعتبرتها تشويهاً للحقائق التاريخية وانتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة.
من المتوقع أن تستمر التوترات بين الصين واليابان في الأيام والأسابيع القادمة، مع عدم وجود أي مؤشرات على قرب حدوث انفراجة. ويراقب المجتمع الدولي عن كثب التطورات في المنطقة، ويخشى من أن تتصاعد الأزمة إلى مواجهة عسكرية. وستكون الاجتماعات الثنائية والإقليمية القادمة فرصة لتقييم مدى استعداد الطرفين لتهدئة التوترات وإعادة بناء الثقة.










