تواجه اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) تخفيضات حادة في عملياتها في عام 2026، حيث ستقلل من ميزانيتها السنوية بنحو خمسها وستلغي 2900 وظيفة، وذلك مع تراجع الجهات المانحة العالمية عن تمويل العمل الإنساني. هذا التراجع في التمويل، وخاصة من الولايات المتحدة، يضع ضغوطًا كبيرة على قدرة المنظمة على الاستجابة للأزمات المتزايدة حول العالم.
أعلنت ميرجانا سبولياريتش، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوم الجمعة أننا “نواجه تقاربًا خطيرًا بين تصاعد الصراعات المسلحة، وقطع كبير في تمويل المساعدات، وتسامحًا منهجيًا مع الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي”. وتأتي هذه التخفيضات في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعًا في الاحتياجات الإنسانية بسبب النزاعات والنزوح.
تخفيضات في تمويل اللجنة الدولية للصليب الأحمر
أكدت المنظمة أن إنفاقها سينخفض إلى 2.2 مليار دولار أمريكي، محذرة من أن قطاع المساعدات الأوسع يواجه “أزمة مالية ذات أبعاد غير مسبوقة”. وبحسب متحدث باسم اللجنة، لا تزال الولايات المتحدة أكبر مانح للجنة، لكنها خفضت مساهماتها هذا العام، مما يعكس انخفاض التمويل من الجهات المانحة التقليدية الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا.
أصرت سبولياريتش على أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ملتزمة بالعمل على خطوط المواجهة في الصراعات، حيث لا يمكن للقلة العمل، لكنها حذرت من أن “الواقع المالي يجبرنا على اتخاذ قرارات صعبة لضمان قدرتنا على مواصلة تقديم المساعدة الإنسانية الحاسمة للمحتاجين”. وتشمل هذه القرارات إعادة هيكلة كبيرة للمنظمة.
تأثير “أمريكا أولاً”
يأتي هذا التحول في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بإعادة هيكلة المساعدة الخارجية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي أعادت تشكيل أولويات الإنفاق بموجب شعار “أمريكا أولاً”. وقد أدى هذا التغيير في السياسة الأمريكية إلى تقليل الدعم المالي للعديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
أجبرت التخفيضات المجمعة الهيئة التي تتخذ من جنيف مقرًا لها على تنفيذ واحدة من أهم عمليات إعادة الهيكلة التي شهدتها منذ عقود. ويبلغ عدد الوظائف التي سيتم إلغاؤها حوالي 15 بالمائة من قوتها العاملة البالغة 18500 شخص، ويشمل ذلك حوالي 200 منصب في جنيف، حيث تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 1863.
أعلنت المنظمة أنها ستدمج الأقسام وتبسط الإدارة وتركز على عمليات الصراع الأمامية للحفاظ على مهمتها الأساسية. على الرغم من الميزانية المخفضة، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها ستحافظ على وجودها في السودان وأوكرانيا وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
سيتم تنفيذ حوالي ثلث تخفيضات الموظفين من خلال المغادرة الطوعية أو عن طريق ترك المناصب شاغرة. وتقدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدعم للمدنيين في مناطق النزاع، وتزور أسرى الحرب، وتعمل كوسيط محايد. وقامت مؤخرًا بتسهيل نقل الأسرى الإسرائيليين من غزة والفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية بموجب شروط وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة في 10 أكتوبر في حرب إسرائيل على غزة.
التمويل الإنساني والاحتياجات المتزايدة
بالإضافة إلى انخفاض التمويل من الولايات المتحدة، تواجه المنظمات الإنسانية تحديات متزايدة في جمع التبرعات من مصادر أخرى. وتشير التقارير إلى أن الحكومات تحول الميزانيات نحو الدفاع والأمن، مما يترك الوكالات الإنسانية تكافح للحفاظ على البرامج في الوقت الذي يستمر فيه الصراع والنزوح والاحتياجات في التصاعد. ويؤثر هذا الوضع بشكل خاص على قدرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تقديم المساعدة في المناطق التي تعاني من أزمات معقدة.
تعتبر قضية التمويل الإنساني من القضايا الملحة التي تتطلب اهتمامًا دوليًا. فمع تزايد عدد النزاعات والكوارث الطبيعية، يزداد عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل معًا لضمان توفير التمويل الكافي للمنظمات الإنسانية لتمكينها من الاستجابة لهذه الاحتياجات المتزايدة.
من المتوقع أن تعلن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن تفاصيل إضافية حول خطط إعادة الهيكلة بحلول نهاية الربع الأول من عام 2026. وستراقب المنظمات الإنسانية عن كثب تأثير هذه التخفيضات على قدرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تقديم المساعدة للمحتاجين. كما ستراقب التطورات في السياسة الخارجية الأمريكية وتأثيرها على التمويل الإنساني العالمي.










