نشر يوسي كوهين، المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، كتابه “بالأحابيل تصنع لك حرباً” (والمعروف بالإنجليزية باسم “سيف الحرية: إسرائيل الموساد والحرب السرية”)، والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والأمنية. يتناول الكتاب، الذي صدر في نهاية سبتمبر الماضي، مسيرة كوهين المهنية في الموساد، ويكشف تفاصيل عمليات استخباراتية حساسة، بالإضافة إلى تلميحات واضحة عن طموحاته السياسية المستقبلية. هذا الكتاب يمثل قراءة معمقة في استراتيجيات إسرائيل الأمنية، وتحدياتها الداخلية والخارجية.
يكشف الكتاب عن رؤية كوهين للصراع الإقليمي، وموقفه من القضايا السياسية الداخلية الإسرائيلية. وقد أثار تسليط الضوء على نجاحات الموساد، خاصة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، تساؤلات حول دوافع كوهين في هذا التوقيت، وهل يسعى إلى تمهيد الطريق لتولي منصب رئاسة الوزراء؟
كوهين يتحدث عن طموحاته السياسية والمواجهة مع نتنياهو
يبدأ الكتاب بسرد مواقف شخصية تكشف عن شخصية كوهين المتناقضة. يروي نقاشاً دار بينه وبين أستاذ جامعي إسرائيلي، حيث وصفه الأخير بـ”الجنرال اليميني”، وهو ما دفعه كوهين إلى الدفاع عن نفسه قائلاً إنه “يميني ليبرالي، يهودي مؤمن، وإسرائيلي وطني”. هذا المزيج من الأفكار، بحسب كوهين، يجعله مؤهلاً لقيادة إسرائيل، وهو ما دفعه إلى التفكير في دخول معترك السياسة.
وكشف كوهين عن حوار دار بينه وبين زوجته، آية، حيث سألته عن خططه بعد تركه الموساد، فردت: “يوسي، أنت يجب أن تصبح رئيساً للموساد”. فيما يبدو بمثابة اعتراف مبطن، يضيف كوهين: “في قرارة نفسي أردت أن أكون قائداً، بل أن أكون قائداً لكل القادة”.
ويتطرق الكتاب إلى العلاقة المعقدة بين كوهين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ففي حين يقر كوهين بفضل نتنياهو في دعم عمليات الموساد، إلا أنه ينتقده بشدة في بعض القضايا، مثل هدنة 2014 مع حركة حماس، معتبراً أنها كانت فرصة ضائعة للقضاء على الحركة. كما يلقي كوهين باللوم على قادة الأجهزة الأمنية في فشل 7 أكتوبر، مشيراً إلى خلافاتهم مع نتنياهو.
عمليات الموساد في إيران
يشكل اختراق إسرائيل للأمن الإيراني محوراً رئيسياً في الكتاب. يصف كوهين هذا الإنجاز بأنه “نجاح مذهل” تم تحقيقه من خلال زرع خلايا كبيرة من العملاء على الأراضي الإيرانية، وجمع معلومات دقيقة عن البرنامج النووي الإيراني وقيادات الحرس الثوري. ويؤكد أن هذه العمليات رفعت من شأن كوهين في الأوساط الأمنية الغربية، وساهمت في تعزيز مكانة الموساد كواحد من أكثر الأجهزة الاستخباراتية كفاءة في العالم.
ويتحدث كوهين عن دوره في وضع خطة اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، إلا أنه يشير إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت، أفيف كوخافي، اعترض على الخطة، وهو ما أيده نتنياهو. يشير كوهين إلى أن الولايات المتحدة قامت في النهاية باغتيال سليماني بناءً على معلومات قدمها الموساد.
إرث مئير دجان وتوحيد الحركة الصهيونية
يشير كوهين إلى أنه يستلهم الروح القيادية من شخصيات تاريخية إسرائيلية مختلفة، مثل ديفيد بن جوريون وزئيف جابوتنسكي ومئير دجان. ويؤكد على أهمية توحيد الحركة الصهيونية، قائلاً إن الناس “ملوا الخلافات والصراعات، ويطالبون السياسيين بتوحيد صفوفهم”.
ويصف كوهين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في إشارة إلى مكانته الدولية، بسؤاله في البيت الأبيض: “كيف حال أقوى رجل في الشرق الأوسط؟”. كما يذكر لقاءه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفاً إياه بـ”الزميل”، باعتبارهما قادمين من أجهزة المخابرات.
أشار الكتاب إلى أن كوهين كان يرى أن إسرائيل كان يجب أن تتخذ قراراً حاسماً بشأن نظام الملالي في إيران بعد نجاح عمليات التخريب التي قام بها الموساد، وإلى أن الحرب الأخيرة أضاعت فرصة لتغيير النظام في طهران.
يتوقع المراقبون أن يثير الكتاب المزيد من الجدل والنقاش في الأيام والأسابيع القادمة، وأن يؤثر على المشهد السياسي الإسرائيلي، خاصة في ظل الأزمة القيادية التي يعاني منها هذا البلد. وسيكون من المهم متابعة ردود الأفعال الرسمية الإسرائيلية على الكتاب، وما إذا كان كوهين سيتحول إلى لاعب رئيسي في السياسة الإسرائيلية في المستقبل القريب. كما أن تأثير هذه الروايات على العلاقة بين إسرائيل والجهات الفاعلة الإقليمية والدولية يستحق المتابعة الدقيقة.










