تمكن قطاع الأمن الوطني، بالتنسيق مع الجهات المعنية، من إحباط مخطط إرهابي شديد الخطورة لحركة “حسم”، الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين.
المداهمة التي نفذت داخل شقة سكنية في منطقة بولاق الدكرور بالجيزة، أسفرت عن مصرع عنصرين من أخطر كوادر الحركة، عقب تبادل كثيف لإطلاق النار، أسفر كذلك عن استشهاد مواطن مدني تصادف مروره بموقع الاشتباك، وإصابة أحد ضباط الشرطة أثناء محاولته إنقاذه.
تأتي هذه العملية في ظل تحذيرات أمنية واستخباراتية متزايدة بشأن محاولات إحياء نشاط “حسم” داخل مصر، بدعم مباشر من قيادات إخوانية تقيم في تركيا، وتعمل على التخطيط والتحريض لتنفيذ هجمات إرهابية تستهدف منشآت حيوية وأمنية واقتصادية.
وفي بيان رسمي، أكدت وزارة الداخلية أن أحد عنصري الخلية كان قد تسلل إلى البلاد بطرق غير شرعية، بعد أن تلقى تدريبات عسكرية متقدمة في الخارج، وكان بصدد تنفيذ سلسلة من العمليات العدائية بالتنسيق مع عناصر داخلية.
خبير في شؤون الإرهاب: تحرك الأمن ضد خلية حسم رسالة ردع
وقال مصطفى أمين عامر الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن سرعة تحرك الأجهزة الأمنية في التعامل مع خلية تابعة لحركة “حسم” تمثل مؤشرًا مهمًا على مدى جاهزية وزارة الداخلية وخبرتها الممتدة في مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية.
وأكد عامر أن رصد الفيديو الذي نشرته الحركة مؤخرًا والتعامل معه بسرعة واحترافية، يعكس مدى قدرة الأجهزة على تتبع التهديدات حتى لو صدرت من خارج الحدود، موضحًا أن الفيديو تم بثه من داخل الأراضي الليبية، وهو ما يشير إلى تطور في أدوات الرصد الأمني.
وأضاف: “التحرك الأمني الأخير يعكس إدراك الدولة لحجم الخطر، خاصة في ظل محاولات متكررة من بقايا خلايا الإخوان داخل مصر لاستعادة نشاطها عبر أدوات مثل حركة حسم، مستغلة البنية الحركية التي خلفتها الجماعة داخل المجتمع، من أسر وشُعب ومكاتب تنظيمية”.
ضربة استباقية مزدوجة: رصد الدخول والتجنيد
وأشار عامر إلى أن العملية الأخيرة لا تمثل فقط إحباطًا لمحاولة إرهابية، بل تكشف عن نجاح مزدوج للأجهزة الأمنية، حيث تمكنت من رصد عنصر تابع للجماعة أثناء دخوله إلى مصر، ثم متابعة تحركاته أثناء محاولته تجنيد عناصر من الداخل لتنفيذ أعمال عنف، قبل القضاء عليه.
الإخوان لا تزال لديها بنية حركية قادرة على التمدد
وحذر الباحث من أن جماعة الإخوان لم تفقد بعد قدرتها على الحشد والتجنيد، رغم الضربات الأمنية المتكررة، قائلًا: “ما حدث يؤكد أن الجماعة لا تزال تحتفظ ببنية تنظيمية قادرة على التحرك، ولو بشكل محدود، وهو ما يتطلب يقظة أمنية مستمرة”.
وتابع بالتأكيد على أن ما تحقق من إحباط للعملية الأخيرة يبعث برسالة واضحة، مفادها أن الدولة المصرية تقف بالمرصاد لأي محاولات لإعادة إنتاج العنف تحت أي عباءة تنظيمية، وأن الأجهزة الأمنية تتابع وترصد وتتحرك في التوقيت المناسب.
عامر: ذكر تركيا في البيان الأمني يؤكد استمرار احتضان أنقرة لعناصر الإخوان وعدم الجدية في التعاون مع مصر
وأضاف مصطفى أمين عامر أن أحد أهم المؤشرات التي وردت في البيان الأمني الأخير، هو الإشارة الصريحة إلى قدوم أحد عناصر الخلية الإرهابية من تركيا، وهو ما يحمل دلالة شديدة الوضوح بأن أنقرة لا تزال تمثل حاضنة لعناصر جماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح عامر أن هذا المعطى يؤكد أن تركيا لم تبد حتى الآن الجدية الكاملة في تفكيك الملف الأمني المتعلق بجماعة الإخوان، رغم ما أعلن سابقًا من تفاهمات ومصالحات مع الدولة المصرية، مشيرًا إلى أن العشرات بل المئات من عناصر الجماعة لا يزالون يعيشون على الأراضي التركية ويمارسون أنشطة مالية وتجارية، تستخدم في تمويل خلايا داخل مصر.
وقال: “تركيا لم تستجب حتى الآن بشكل فعلي لمطالب الأجهزة الأمنية المصرية، سواء في ما يخص تسليم العناصر المطلوبة أو وقف حركة الأموال والتحويلات التي تسهم في تمويل الخلايا النائمة داخل مصر”.
وأضاف أن القيادات الإخوانية المقيمة في تركيا تعاني حاليًا من تشققات داخلية وصراعات على الزعامة والتمويل، ومع ذلك لا تزال تمثل خطرًا حقيقيًا نتيجة لما تمتلكه من أدوات إعلامية واقتصادية.
دعوة لتدخل سياسي مباشر
وأكد عامر على ضرورة أن يكون هناك تدخل واضح من القيادة السياسية المصرية، لدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ خطوات عملية وفعالة في تقويض نشاط الجماعة، ومنع الأراضي التركية من أن تظل قاعدة خلفية لأي تهديدات موجهة للأمن المصري.
وقال: “الوضع يتطلب تنسيقًا سياسيًا وأمنيًا على أعلى مستوى، لأن استمرار هذا التراخي التركي يمثل تهديدًا مباشرًا، ويجب أن يكون الملف الإخواني على رأس أولويات أي حوار مصري تركي في المرحلة المقبلة”
وتابع مصطفى أمين عامر: “الموقع الخاص بالخلية يحمل دلالة مهمة، لأنه في منطقة الجيزة، وتلك منطقة سبق إن أحبطت الأجهزة الأمنية المصرية بها العديد من العمليات الإرهابية من سنة 2013، لأن تلك المنطقة كانت بؤرة لحركة حسم، وتحديدًا في مناطق مثل فيصل والهرم، وهي مناطق تقريبًا شبه عشوائية، وذلك يسهل على الجماعات الإرهابية والمجموعات المسلحة ان تختبئ دون أن تلفت النظر”.
وأضاف: “لكن الجيزة الأمن بها مركز وواعي، وسبق إنه تم تصفية همام عطية، زعيم تنظيم أجناد مصر، في نفس المنطقة، وتم القضاء على خلايا أخرى ايضا بها، وذلك يأكد إن المكان لم يتم اختياره صدفة، لكن بناء على خلفية تاريخية لتلك المنطقة باعتبارها سابقة للاختباء والتحرك”.
وأوضح عامر إن الجيزة تحديدًا بتتميز بطبيعة جغرافية خاصة، بها مناطق عشوائية كثيرة، وبها ظهير زراعي كبير، وذلك بيسهل تحركات الجماعات الإرهابية أو تأسيس خلايا فيها، حيث انهم يستغلون العشوائيات كغطاء والظهير الزراعي كمساحة آمنة للتنقل أو التخزين.
وأشار إلى إن الوضع في الجيزة يختلف عن محافظة القاهرة، بالرغم إنها شهدت عمليات إرهابية، لكنها بحكم إنها أكتر حضرية وبها انتشار أوسع للقوات الأمنية، وذلك يجعل رصد التحركات أسهل، وهناك ايضا حالة وعي وتعاون من المواطنين وذلك يجعل المهمة الأمنية أسهل .
واختتم عامر كلامه بالتأكيد على إن الجيزة تظل من المناطق اللي بيحاول الإرهابيين يستغلوها بسبب طبيعتها، لكن الأجهزة الأمنية، بخبرتها وتاريخها في التعامل مع التنظيمات المسلحة في نفس المنطقة، أثبتت قدرتها على إحباط أي تحرك قبل ما يتحول لتهديد فعلي.
باحث سياسي: الدولة لم تعد تنتظر وقوع الجريمة.. وتفكيك خلية حسم يجسد جاهزية الردع الاستباقي
وأكد الدكتور سعيد الزغبي الباحث السياسي أن العمليات الأمنية الأخيرة ضد خلية تابعة لحركة “حسم” تعكس بوضوح تحولًا نوعيًا في العقيدة الأمنية المصرية، موضحًا أن الدولة لم تعد تتحرك كرد فعل على التهديدات، بل أصبحت تعتمد على الردع الوقائي والاستباقي، وهو ما يعد جوهر الأمن الوطني الحديث.
وقال الزغبي في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن ما جرى مؤخرًا يعد نموذجًا واضحًا لما يعرف بـ”الجاهزية الاستراتيجية”، وهي المفهوم الذي يرتبط بقدرة الدولة على توقع التهديدات قبل وقوعها والتعامل معها بأدوات متعددة دون الحاجة إلى التصعيد أو استنزاف الاستقرار الداخلي.
وأضاف: “ما نراه اليوم هو تطور لافت في أدوات المواجهة، بدءًا من رصد مبكر لأي تهديد، مرورًا باستخدام تقنيات حديثة في التحليل الأمني مثل الذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى التنسيق بين أجهزة الدولة كافة: الأمنية، التشريعية، والإعلامية، لاحتواء أي محاولة لزعزعة الاستقرار.”
وأشار الزغبي إلى أن الدولة لم تعد تنتظر وقوع الجريمة حتى تتحرك، بل بات لديها ما يكفي من أدوات وقدرات لرصد نوايا التنظيمات المتطرفة وهي في مراحل التخطيط، قبل أن تتحول تلك النوايا إلى أفعال، وهو ما يمنح الدولة ميزة السيطرة والردع قبل وقوع الخطر.
وأكد الزغبي أن مخطط “حسم” الأخير كان اختبارًا حقيقيًا لقدرات الدولة المصرية، ونجحت فيه بامتياز ، من خلال سرعة التحرك، ودقة المعلومات، والقدرة على إنهاء التهديد دون إحداث تصعيد أمني ميداني واسع، وهو ما يكرس لمفهوم أمن وطني ذكي وفعال في وقت واحد.
متخصص في شئون الإرهاب الدولي: العملية الاستباقية منعت كارثة.. وأجهزة الأمن تثبت تفوقها المعلوماتي والميداني
قال منير أديب، الباحث المتخصص في شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن أجهزة الأمن، وعلى رأسها قطاع الأمن الوطني، نجحت في إحباط عملية إرهابية قبل تنفيذها، بعد أن تمكنت من رصد ومتابعة خلية تابعة لميليشيا حركة “حسم”.
وأكد أديب أن العملية الأمنية جاءت استباقية وناجحة، وتعكس يقظة الدولة وجاهزية أجهزتها في التصدي للتهديدات المسلحة، مشيرًا إلى أن المواجهة تمت قبل أن تتحرك العناصر الإرهابية لتنفيذ مخططها.
وأوضح أن النجاح في تفكيك الخلية يعد دليلاً واضحًا على امتلاك الأمن المصري لمعلومات دقيقة، وقدرة عالية على الرصد والتحرك السريع في الوقت المناسب، مؤكدًا أن ذلك هو ما مكن الدولة من إحباط المحاولة قبل وقوع أي خسائر أكبر.
وشدد الباحث على أن الميليشيات المسلحة، وعلى رأسها حركة “حسم”، تحاول بين الحين والآخر إعادة إحياء نشاطها وإعادة هيكلة صفوفها، إلا أن أجهزة الأمن تفشل هذه المحاولات باستمرار بفضل قدرتها على الملاحقة والرصد.
وأشار أديب إلى أن الدولة المصرية، منذ عام 2013، تمكنت من تفكيك عدد كبير من التنظيمات الإرهابية التي كانت تمثل تهديدًا حقيقيًا، مثل أنصار الشريعة وأجناد مصر، مؤكدًا أن هذه التنظيمات أصبحت مجرد سطور في كتب التاريخ بعد أن قضت عليها الأجهزة الأمنية تمامًا.
كما أضاف أن التهديدات لم تعد تقتصر على التنظيمات الكبرى، بل تشمل أيضًا “الذئاب المنفردة” التي تسعى لتنفيذ عمليات فردية من وقت لآخر، وهو ما تتعامل معه الدولة بجدية واحترافية كاملة.
وختم أديب تصريحاته بالتأكيد على أن قدرة الدولة على الردع والاستباق، مدعومة بكفاءة أمنية عالية، هي الضمانة الحقيقية لاستقرار البلاد في مواجهة خطر الإرهاب.