قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إن من العبارات الشائعة في كتب الفتوى قولهم : (خذ بفتواه ولا تلتفت إلى تقواه) وهي قاعدة جليلة تنبه إلى الفرق بين علم الدين وبين التدين العملي.
علم الدين
وأوضح أن علم الدين هو علم كسائر العلوم، له مبادئ وقواعد ومصطلحات ومناهج وكتب وترتيب ومدارس وأسس وتاريخ و …. إلخ.
وتابع عبر صفحته الرسمية على فيس بوك: وهو يحتاج أيضا إلى أركان العملية التعليمية التي لا يتم العلم إلا بها وهي الطالب والأستاذ والكتاب والمنهج والجو العلمي، وأن طريق التعلم له درجات مختلفة كدرجات التعليم العام ثم التعليم الجامعي ثم الدراسات العليا بدرجاتها المختلفة، وله أيضا أساليبه المختلفة للتمكن منه بعضها نظري وبعضها تطبيقي وبعضها حياتي وعملي كما أن أداءه يختلف من رسالة علمية إلى كتاب مقرر، إلى بحث في مجلة محكمة، إلى بحث للمناقشة أو كمحور في مؤتمر للجماعة العلمية يخبر فيه صاحبه تلك الجماعة بنتائج، وسيظل أمر الجماعة العلمية دائما مختلفًا تبعا للمنح الربانية، والعطايا الصمدانية، والمواهب التي يمنحها الله لكل شخص يتميز بها على الآخرين، وسيظل أمر التخصص العام مُراعى والتخصص الدقيق مطلوب، وسيظل هناك خارق بين من ينجح في تحصيل الدروس ولا ينجح في الحياة ومن ينجح فيها ومن وصل إلى مرتبة الحجة والمرجعية، ولا يحسن التعامل مع الحياة أو يحسن التعامل معها، كما قال شوقي في أواخر قصيدة (كتابي) :
وكم منجب في تلقي الدروس** تلقي الحياة فلم ينجب
وأشار الى أن كل هذه المعاني نراها في كل مجال، وهل أقرب مجال ينطبق عليه ما ينطبق على علم الدين هو مجال الطب، وعلم الطب، أنظر إلى كل ما ذكرناه وكأننا نتكلم عن علم طب الأبدان في حين أنني كنت أؤكد على علم حفظ الأديان، وكل ذلك يختلف عن حق الناس في رعاية صحتها والوقاية من الأمراض والعلاج منها، ومبادئ الحياة الصحية الصحيحة التي يتمناها كل إنسان، بل هي من حقه، كما يختلف علم الدين عن التدين الذي هو لازم لكل إنسان ويحتاجه كل أحد من الناس، بل يحتاجه الناس على مستوى الفرد والجماعة والأمة.
ونوه أنه على الرغم من وضوح الفرق بين علم الدين والتدين، أو علم الطب ومراعة الصحة العامة، إلا أن هذا الفرق غير معترف به في غالب ثقافتنا، ونرى خلطا ضارا له صور منتشرة في جميع القطاعات لم ينج منه إلا من رحم الله ـ وهم قلة في ثقافتنا السائدة ـ وتمنى أن يفتح الله البصائر بهذه الدعوى لمراجعة جد مهمة لمواقف كثير من علمائنا ومفكرينا بشأن موقفهم من هذه البدهية.