مع إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية “عربات جدعون”، تبدو غزة مقبلة على فصل جديد من الحرب الدائرة منذ أكتوبر الماضي، وسط مؤشرات تؤكد أن تل أبيب اختارت توسيع نطاق المواجهة بدل السير في مسار صفقة التهدئة التي اقترحها الوسطاء مؤخرًا.
“عربات جدعون”.. دلالة ورسائل
العملية التي أعلن عنها رسميًا خلال الساعات الماضية حملت دلالات عسكرية وسياسية عميقة؛ فهي ليست مجرد تحرك ميداني بل رسالة بأن إسرائيل لم تعد ترى في الحلول الدبلوماسية مخرجًا، بل في المزيد من الضغط الميداني.
تسمية العملية نفسها استحضرت رمزية توراتية مرتبطة بالحروب الوجودية، ما يعكس محاولة الحكومة الإسرائيلية تأطير المواجهة باعتبارها معركة طويلة الأمد وليست أزمة مؤقتة.
رفض ضمني لمقترح الوسطاء
في الوقت الذي دفعت فيه القاهرة والدوحة وواشنطن بمقترح هدنة جديدة يشمل تبادل أسرى وضمانات إنسانية، جاء الإعلان عن العملية ليشكل رفضًا عمليًا لهذا المسار.
فبدل أن تظهر إسرائيل تجاوبًا مع الضغوط الدولية، أكدت القيادة العسكرية أنها بصدد “توسيع بنك الأهداف” وتنفيذ “ضربات استباقية”، بما يعني أن تل أبيب ترجح كفة الحسم العسكري ولو على حساب تعميق المأساة الإنسانية في القطاع.
بداية مرحلة جديدة من التصعيد
ويشير ما يجري الآن إلى انتقال الحرب من مرحلة العمليات المحدودة إلى مرحلة أشمل، قد تشمل اجتياحات برية مركزة أو استهدافات في عمق القطاع. وتحدث محللون إسرائيليون عن أن “عربات جدعون” ليست نهاية العمليات بل بداية سلسلة من الحملات التي تهدف إلى إنهاك قدرات المقاومة وإجبارها على تقديم تنازلات أكبر بكثير من تلك التي يتضمنها مقترح الوسطاء.
مأزق إنساني وسياسي
لكن هذا التوجه يضع إسرائيل أمام مأزق معقد؛ فكل خطوة نحو توسيع الحرب تزيد من الضغوط الدولية، خاصة في ظل مشاهد الدمار والمجاعة ونقص الدواء في غزة. كما أن رفض المقترحات الوسطية يعزل الحكومة الإسرائيلية سياسيًا، ويضعها في مواجهة مفتوحة مع انتقادات الحلفاء الغربيين الذين يرون أن استمرار الحرب دون أفق سياسي سيفشل جهود الاستقرار في المنطقة بأكملها.
وعليه، يؤشر إطلاق “عربات جدعون” إلى أن إسرائيل ماضية في خيار الحرب المفتوحة، معتبرة أن الوقت لم يحن بعد للجلوس إلى طاولة التفاهمات. وبذلك تبقى غزة في مرمى التصعيد، فيما يزداد المشهد الإقليمي تعقيدًا، مع غياب أي ضمانات بأن هذا الخيار سيؤدي إلى إنهاء الصراع بدل أن يفاقمه.