Published On 7/9/2025
|
آخر تحديث: 14:31 (توقيت مكة)
كشف تقرير جديد نشرته صحيفة هآرتس اليوم الأحد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه مشكلة حرجة تتعلق بكفاءة وجاهزية وحداته النظامية، في ظل اشتداد العدوان على غزة المسمى عربات جدعون 2.
وجاء في التقرير الذي نشره المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل أن بعض وحدات الجيش تخوض معارك متواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في حين تعاني من نقص حاد في المعدات الثقيلة الأساسية، كالجرافات ومركبات الهندسة العسكرية، إضافة إلى محدودية صلاحية الدبابات وناقلات الجند المدرعة. وأكد أن الأزمة تتفاقم بسبب القيود على استبدال محركات الدبابات نتيجة الحظر الألماني على تصدير الأسلحة لإسرائيل.
وأشار هرئيل إلى أن هذه الثغرات البنيوية تعمّقها أزمة أخرى في طريقة عمل القيادة العسكرية، إذ يميل قادة الألوية والكتائب إلى إبلاغ القيادة العليا بما يريد قادة الأركان سماعه، لا بما يجري فعليا على الأرض، مما يجعل صورة الواقع العملياتي أبعد ما تكون عن الدقة.
هشاشة الاستعدادات
وبحسب التقرير، فإن الجيش الإسرائيلي صعّد تحركاته الهجومية في عطلة نهاية الأسبوع في مدينة غزة، تمهيدا لعملية برية وشيكة داخل المدينة، لكن استعداداته لا تزال متعثرة. ويشير هرئيل إلى عائق آخر يعوق خطط الجيش ويؤخر تنفيذ العدوان الجديد، وهو بطء نزوح الفلسطينيين من المدينة، حيث لم يغادر سوى أقل من 10% من سكانها وفق التقديرات.
وأضاف أنه في محاولة لدفع السكان إلى الخروج، أعلن الجيش عن فتح ما سماه “منطقة إنسانية” في خان يونس، غير أن بطء وتيرة الإخلاء يقابَل بزيادة في وتيرة الهجمات الجوية على مبانٍ مرتفعة ضمن ما يُصنّف “أهدافًا قوية”، بهدف بث الرعب بين السكان.
ويقول هرئيل إن هذا التأخير يتناقض مع الصورة التي يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نقلها للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكأن النصر الإسرائيلي أصبح وشيكا.
أزمة في صفوف الجيش
يترافق التعثر الميداني مع تصاعد المخاوف بشأن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين داخل غزة. فقد أرسل الجيش تحذيرات لعائلات الأسرى مفادها أنه من الصعب ضمان سلامتهم خلال أي عملية برية في المدينة.
وأشار هرئيل إلى أن أجهزة الاستخبارات تدرك استحالة منع إصابة الأسرى في ظل القتال، مستشهدا بما جرى في رفح العام الماضي حين قُتل 6 أسرى كانوا محتجزين داخل نفق، بعدما فرض نتنياهو دخول القوات رغم معارضة أميركية وتحذيرات أمنية.
ويسلط المحلل العسكري الضوء على المخاوف التي تسود في أوساط جيش الاحتلال بعد أن نشرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مؤخرا مقطع فيديو يظهر اثنين من الأسرى، في محاولة واضحة لردع إسرائيل عن اقتحام المدينة. ويشير إلى أن وزير الحرب يسرائيل كاتس بدا غير مكترث بهذه الاعتبارات، مفضّلًا التركيز على مكاسب سياسية داخلية مرتبطة بانتخابات حزب الليكود التمهيدية.
لكن الكاتب يؤكد أن التهديد لا يقتصر على الأسرى، بل يمتد إلى الجنود أنفسهم، فالوحدات النظامية التي استُنزفت في معارك متواصلة منذ نحو عامين، تواجه أزمة عميقة في الروح المعنوية والانضباط، “ويشكو الجنود وأولياء أمورهم من إرهاق شديد، ونقص في الإجازات، وتفاقم المشاكل التأديبية، وسط صعوبات متزايدة للقادة في فرض الانضباط المهني”.
ويُضاف إلى ذلك ضعف في التواصل بين القادة الميدانيين والقيادة العليا، إذ يحرص كثير من قادة الألوية والكتائب على تقديم تقارير متفائلة تُرضي هيئة الأركان، بدلا من كشف النواقص الحقيقية في المعدات أو دوافع الجنود. ويؤكد هرئيل أن هذا الميل نابع من خشية القادة من أن يُنظر إليهم كمنتقدين قد يعرّضون مسيرتهم العسكرية للخطر.
ومن الناحية اللوجستية، يكشف التقرير عن نقص حاد في المعدات الهندسية الثقيلة، وندرة في المركبات الصالحة للخدمة، فضلا عن عجز في توفير محركات بديلة للدبابات بسبب القيود الألمانية.
وتجعل هذه الثغرات العمليات البرية أكثر بطئا وأشد خطورة، وهو ما ظهر جليا في عملية رفح، حين احتاج الجيش إلى أكثر من 3 أشهر للسيطرة على حي تل السلطان، رغم أن المنطقة كانت قد أُخليت من سكانها مسبقا.
الفجوة بين القيادة والواقع
ويلفت هرئيل إلى أن رئيس الأركان إيال زامير يزور قطاع غزة مرتين إلى 3 مرات أسبوعيا لمتابعة التطورات، غير أن الفجوة بين ما يبلغه القادة الميدانيون وما يحدث فعليا على الأرض تبقى واسعة. فالمشاكل المتعلقة بدوافع الجنود، أو صلاحية المعدات، أو الروح المعنوية المنهكة، لا تصل دائما إلى القيادة العليا.
وفي كثير من الأحيان، يسوق الضباط شكاوى جنودهم وعزوفهم عن القتال على أنهم “يعانون من حنين إلى الوطن” أو من اضطرابات نفسية، بدلًا من التعامل بجدية مع شكاويهم.
وفي هذا السياق، يشير المحلل العسكري إلى “تغريدة ساذجة” نشرها كاتس الثلاثاء الماضي، مع صورة للبرج السكني المقصوف، قائلا: “لقد بدأنا”. ويعلق على ذلك بسخرية: “كأن الحرب لم تبدأ قبل 700 يوم، التي لم يُقتل خلالها ما يقرب من ألفي إسرائيلي، ولم يُختطف خلالها أكثر من 250”.
ويضيف الكاتب أن كاتس، كرئيسه بنيامين نتنياهو المطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، لا يزال يتجاهل حقيقة أن جميع كبار مسؤولي الأمن يرفضون العملية الحالية في غزة، ويعتقدون أنه يجب الترويج لصفقة الأسرى بدلا من ذلك.
ويخلص هرئيل إلى أن التحرك العسكري في غزة، على غرار ما حدث في رفح، لن يقود إلى نصر كامل أو إلى إطلاق جميع الأسرى. ويرى أنه من دون اتفاق سياسي، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا يتمثل في استمرار هجوم بطيء يزيد من المخاطر على الأسرى، مقابل بقاء حماس ممسكة بمفاتيح السيطرة على شبكة الأنفاق. أما الجيش فيبقى عالقا بين ضغوط سياسية من القيادة العليا، وأزمة داخلية تهدد كفاءته وقدرته على حسم المعركة.