مع اقتراب الافتتاح الرسمي المنتظر للمتحف المصري الكبير، أحد أضخم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، تتجه أنظار العالم نحو مصر من جديد، حيث يلتقي التاريخ العريق بالتكنولوجيا الحديثة في صرح يُجسّد عبقرية الحضارة المصرية القديمة بروح معاصرة.
وفي هذا السياق، أجرى صدى البلد حوارا خاصا مع الباحث البرازيلي في علم المصريات هيكتور إلياهو، الذي يدرس حاليًا في جامعة برشلونة المستقلة، ويُعد من أبرز الوجوه الشابة المهتمة بتاريخ مصر القديم وعلاقاته بالحضارات المجاورة.
يتحدث إلياهو في هذا الحوار عن جذوره المصرية التي شكّلت وعيه الأكاديمي، وعن التطور المذهل الذي أحدثته التكنولوجيا الحديثة في دراسة التاريخ المصري، كما يكشف رؤيته لأهمية المتحف المصري الكبير في تعزيز الهوية الثقافية لدى الأجيال الجديدة، ودوره في تقديم مصر إلى العالم بصورة تليق بعظمتها الحضارية.
كيف بدأت علاقتك بعلم المصريات، ومتى اكتشفت شغفك بالحضارة المصرية القديمة؟
بدأ اهتمامي بمصر القديمة منذ الطفولة، حين أهداني والدَي لعبة إلكترونية تُسمّى فرعون تدور حول بناء المدن في مصر القديمة. كانت تلك اللعبة الشرارة الأولى التي أشعلت فضولي تجاه التاريخ المصري، ثم تحوّل هذا الفضول إلى شغف حقيقي استمرّ معي حتى اليوم.
هل كان لأصولك العائلية المصرية تأثير في ارتباطك بالحضارة المصرية؟
بالتأكيد. فجدي وجدّتي وُلدا في الإسكندرية، وأشعر دائمًا أن مصر جزء من تكويني الشخصي والثقافي. جذوري العائلية جعلتني أنظر إلى مصر ليس فقط كحضارة عظيمة، بل كوطن روحي أرتبط به وجدانيا.
رغم أنك تعمل محاميا في البرازيل، فإنك اخترت دراسة علم المصريات أكاديميًا. كيف جمعت بين المجالين؟
درست القانون في جامعة Faculdades Metropolitanas Unidas (FMU) وأعمل حاليًا محاميًا، لكن شغفي بالتاريخ لم يتوقف. حصلت على دبلوم دراسات عليا في التاريخ القديم والوسيط من جامعة ولاية ريو دي جانيرو، ثم التحقت بدراسة الماجستير في علم المصريات بجامعة برشلونة المستقلة. أرى أن دراسة الماضي تمنحنا نظرة أعمق إلى الحاضر، حتى في مجالات تبدو بعيدة مثل القانون والسياسة.
في رأيك إلى أي مدى غيرت التكنولوجيا الحديثة طرق دراسة التاريخ المصري القديم؟
التكنولوجيا غيّرت كل شيء. اليوم نستطيع اكتشاف مواقع أثرية جديدة وتحليل المواد باستخدام تقنيات متقدمة مثل التأريخ الرقمي والمسح ثلاثي الأبعاد. كما تمكّنا من إعادة بناء المعابد والمقابر ووجوه المومياوات رقمياً، وهو ما منحنا فهمًا أكثر دقة لتفاصيل الحياة في مصر القديمة. التكنولوجيا جعلت علم المصريات أكثر حيوية من أي وقت مضى.
ما الجانب الأكثر إثارة بالنسبة لك في الحضارة المصرية القديمة؟
أكثر ما يثير إعجابي هو قدرة المصريين القدماء على التوازن بين الأصالة والانفتاح. رغم احتكاكهم المتواصل بثقافات أخرى، ظلّوا محافظين على هويتهم الخاصة، يطورونها دون أن يفقدوها. كذلك يدهشني الفكر الديني والفلسفي العميق الذي قادهم لبناء مفهوم الخلود، وهو ما جعل حضارتهم باقية حتى اليوم.
كيف تنظر إلى افتتاح المتحف المصري الكبير وما الذي يمثله بالنسبة لمصر والعالم؟
أراه حدثًا حضاريًا عالميًا بكل المقاييس. المتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان لعرض القطع الأثرية، بل مشروع وطني وإنساني يُعيد تقديم مصر للعالم من منظور جديد. هو جسر يربط الماضي بالمستقبل، ويعبّر عن رؤية مصر الحديثة في الحفاظ على تراثها وتقديمه بروح علمية ومعاصرة.
في رأيك، كيف يمكن للمتحف أن يؤثر على الأجيال الجديدة داخل مصر وخارجها؟
سيمنح المتحف الأجيال الجديدة فرصة فريدة للتفاعل مع التاريخ بطريقة قريبة وحية. الأطفال والطلاب الذين يزورونه لن يروا فقط التماثيل والمومياوات، بل سيشعرون بعظمة من صنعوها. هذه التجربة قادرة على بناء وعي ثقافي وفخر وطني حقيقي، وهو ما تحتاجه الشعوب لتصون هويتها.
ما أبرز المفاهيم الخاطئة التي تراها منتشرة حول الحضارة المصرية القديمة؟
من أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعا فكرة أن المصريين القدماء كانوا غامضين أو غارقين في الخرافة. الحقيقة أنهم كانوا عقلانيين للغاية، أصحاب فكر هندسي وعلمي متقدم سبق عصرهم بقرون. كما أن صورتهم في الثقافة الغربية تأثرت كثيرًا بالخيال السينمائي، لا بالحقائق العلمية.
هل ترى أن هناك اهتماما متزايدا من الشباب حول العالم بدراسة علم المصريات؟
نعم، الاهتمام يتزايد بشكل واضح، خاصة بعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تبسيط التاريخ ونشر الاكتشافات الأثرية لحظة بلحظة. الشباب اليوم يريد أن يفهم الحضارة المصرية بلغته وبأدواته، وهذا ما يجعلنا أمام جيل جديد من الباحثين أكثر تفاعلًا وانفتاحا.
أخيرا، ما الرسالة التي تود توجيهها للمهتمين بالحضارة المصرية؟
أن يتعاملوا معها بروح الباحث لا السائح. مصر ليست فقط معابد وتماثيل، بل فكر وإنسان وحضارة إنسانية عميقة. كل من يدرسها بصدق سيجد نفسه أمام مرآة للحياة، لا للتاريخ فقط.










