بناء أي دولة لا يتوقف عند مرحلة معينة، بل هو عملية مستمرة تتطلب رؤية استراتيجية وجهودًا متواصلة. فالثورة، أي ثورة، هي مفتاح لتصحيح مسار، وصفحة جديدة في كتاب التاريخ. فهل تكتب في كتاب الثورة صفحة أولى وتتوقف؟
ما يمكن الجزم به في صفحات المستقبل، أن ثورة 30 يونيو 2013 كانت علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، فبعد أن شهدت ثورة 25 يناير 2011 حراكًا شعبيًا، انحرفت مساراتها لتضع البلاد أمام تحديات جسيمة، من عدم الاستقرار السياسي إلى التدهور الاقتصادي وصولًا إلى التهديدات الأمنية.
جاءت 30 يونيو، بجموعها الغفيرة التي ملأت الميادين، لتُصحّح المسار وتُعيد للدولة المصرية هيبتها ومؤسساتها، ولتفتح صفحة جديدة في تاريخ الوطن.
ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه اليوم هو: ماذا بعد 30 يونيو؟
إذا عدنا بالذاكرة للوراء، فالمؤكد للمنصفين أن 30 يونيو لم تكن مجرد إسقاط لنظام، بل كانت عملية إعادة بناء شاملة، بدأت بوضع خارطة طريق سياسية من إعداد دستور جديد، ثم تبعتها انتخابات رئاسية وبرلمانية. هذه الخطوات كانت ضرورية لإعادة الاستقرار وبناء الثقة في المشهد العام للداخل وأمام العالم.
أما على الصعيد الاقتصادي، فلا يمكن إنكار ما واجهته مصر من تحديات ضخمة بعد سنوات من الاضطراب. فقد أدركت القيادة السياسية أن تحقيق الاستقرار لا يمكن أن يتم بمعزل عن التنمية الاقتصادية. لذا، شهدت السنوات التي تلت 30 يونيو إطلاق العديد من المشروعات القومية الكبرى في مختلف القطاعات، مثل البنية التحتية، والطاقة، والعاصمة الإدارية الجديدة، وشبكة الطرق.
أيضاً- لم تكن التنمية الأمنية أقل أهمية في حماية مصر من مخطط التدمير، فمواجهة الإرهاب الذي استفحل في أعقاب 30 يونيو كانت أولوية قصوى.
فقد خاضت القوات المسلحة والشرطة حربًا ضروسًا ضد الجماعات المتطرفة، وتمكنت من دحرها بشكل كبير وتأمين حدود البلاد. هذا الاستقرار الأمني كان الركيزة الأساسية لأي تنمية أو تقدم يمكن أن تشهده مصر، ولا يمكن إنكار كل تلك الجهود في صفحات الثورة.
إذًا، يأتي السؤال، ماذا بعد 30 يونيو؟
الإجابة لا شك تكمن في استمرارية العمل على مسارات التنمية والبناء. من الضروري التركيز على بناء الإنسان المصري، أي تطبيق شعار “العقل السليم في الجسم السليم” ، وهذا يعني بالتأكيد دعم منظومات التعليم، والصحة، والبحث العلمي – باعتباره – الضمان الحقيقي لمستقبل الأمة.
ما بعد 30 يونيو يتطلب أيضاً تعزيز مفاهيم الحوكمة الرشيدة من خلال مكافحة الفساد، وتحسين بيئة الأعمال، والتسريع بمشروعات التنمية المستدامة والشاملة، لتمتد ثمار التنمية لكافة فئات المجتمع في مختلف المناطق الجغرافية، مع التركيز على التنمية الريفية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك أساسي في عملية التنمية.
ما بعد 30 يونيو يتطلب وبشدة السعي بخطوات أسرع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، بمزيد من الجهود – ولا ننكر ما تم- من خلال العمل على تحسين مستوى الخدمات الأساسية للمواطنين.
لقد وضعت ثورة 30 يونيو مصر على طريق الاستقرار والتنمية، وقطعت شوطًا كبيرًا في تصحيح المسار. ولكن المستقبل يتطلب المزيد من العمل الدؤوب والتخطيط الاستراتيجي، فمصر تستحق أن تواصل مسيرتها نحو بناء دولة حديثة قوية، تحقق طموحات شعبها وتتبوأ مكانتها الرائدة إقليميًا ودوليًا.