شهدت أسعار الفضة ارتفاعاً قياسياً ملحوظاً، حيث قفزت لليوم الرابع على التوالي مدفوعةً بتدفقات استثمارية قوية نحو صناديق المؤشرات المتداولة، بالإضافة إلى زخم التداول المتزايد، وتشديد المعروض الفعلي في الأسواق. هذا الارتفاع يدفع الفضة نحو تحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ عام 1979، مما يثير اهتمام المستثمرين والمحللين على حد سواء.
سجلت الفضة ارتفاعاً بأكثر من 10% خلال هذا الأسبوع، متجاوزةً حاجز 64 دولاراً للأونصة، وذلك بالتزامن مع إشارات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكية حول إمكانية تخفيف السياسة النقدية، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة، وتوقعات بتباطؤ في نمو سوق العمل الأمريكي. هذه العوامل عززت جاذبية المعادن النفيسة كملاذ آمن.
ارتفاع أسعار الفضة: عوامل متعددة تدعم الزخم
يرى معظم المحللين أن الارتفاع الحالي في أسعار الفضة لا يمكن نسبته إلى عامل واحد محدد، بل هو نتيجة لتضافر عدة عوامل. فبالإضافة إلى السياسات النقدية، يلعب زخم التداول دوراً هاماً، حيث ينجذب المستثمرون الأفراد والمتداولون إلى هذا المعدن المعروف بتقلباته العالية. هذا الزخم يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الارتفاعات في الأسعار.
تعتبر أسعار الفائدة المنخفضة محفزاً رئيسياً للمعادن النفيسة التي لا تدر عائداً مثل الفضة والذهب، حيث تقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بهذه الأصول. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف الدولار الأمريكي يمكن أن يزيد من جاذبية المعادن النفيسة للمستثمرين الذين يبحثون عن تحوط ضد التضخم.
اختناق سوق الفضة في لندن وتأثيره على الأسعار
يأتي هذا الارتفاع بعد فترة قصيرة من تعرض سوق الفضة في لندن لضغوط كبيرة، حيث انخفضت المخزونات المتاحة إلى مستويات حرجة. يعزى ذلك إلى زيادة الطلب من صناديق المؤشرات المتداولة، بالإضافة إلى الصادرات المتزايدة إلى الهند، أحد أكبر مستهلكي الفضة في العالم. على الرغم من تدفق بعض الإمدادات إلى الخزائن في لندن، إلا أن جزءاً كبيراً من الفضة العالمية لا يزال متمركزاً في نيويورك.
يزيد من تعقيد الوضع انتظار نتائج التحقيق الأمريكي (القسم 232) بشأن الرسوم الجمركية المحتملة على الفضة، مما يثير حالة من عدم اليقين في السوق. وفقاً لدانيال غالي من شركة “تي دي سيكيوريتيز”، فإن هذا الوضع يتسبب في زيادة المخاطر المضاربية. ويتوقع غالي أنه في حال عدم فرض رسوم على الفضة، قد نشهد تصحيحاً هبوطياً حاداً في الأسعار.
عقود الفضة الآجلة وخيارات الشراء
تشير مستويات شراء عقود خيار الشراء، سواء على عقود الفضة الآجلة أو على صناديق المؤشرات المتداولة، إلى مستوى عالٍ من التفاؤل بشأن مستقبل أسعار الفضة. تمنح هذه العقود الحق في شراء الأصل بسعر محدد مسبقاً، وهي وسيلة منخفضة التكلفة للمراهنة على ارتفاع الأسعار.
سجل صندوق “آي شيرز سيلفر تراست” (SLV) أكبر حجم اهتمام مفتوح لعقود خيار الشراء منذ عام 2020 هذا الأسبوع. كما ارتفعت تكلفة شراء خيارات الشراء مقارنة بخيارات البيع، التي توفر الحماية من انخفاض الأسعار، إلى أعلى مستوى لها منذ سنوات. يؤكد إدوارد ستيرنبرغ من شركة “أوبتيفر هولدنغ” على وجود اهتمام صعودي كبير في خيارات الفضة.
نظرة مستقبلية لأسعار الفضة
على الرغم من أن حركة الأسعار الحالية قد تكون “مفرطة” بعض الشيء، إلا أن النظرة الأساسية طويلة الأجل لأسعار الفضة تظل إيجابية. يشير تقرير صادر عن “معهد الفضة” إلى نمو الاستهلاك في التطبيقات الصناعية، مع توقعات بارتفاع الطلب على الخلايا الشمسية والمركبات الكهربائية. هذا النمو في الطلب الصناعي يمكن أن يدعم أسعار الفضة على المدى الطويل.
ومع ذلك، يجب مراقبة تأثير ارتفاع أسعار الفضة على الطلب الصناعي، حيث قد يدفع المصنعين إلى البحث عن بدائل أو تحسين الكفاءة. تشير تقديرات إلى أن الفضة تمثل الآن حوالي ربع تكلفة إنتاج الخلايا الكهروضوئية. في الوقت الحالي، ارتفعت أسعار الفضة بنسبة 120% هذا العام، متجاوزة مكاسب الذهب التي بلغت 65%.
في الختام، من المتوقع أن يستمر التركيز على نتائج التحقيق الأمريكي بشأن الرسوم الجمركية المحتملة على الفضة، بالإضافة إلى مراقبة تطورات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. سيؤثر هذان العاملان بشكل كبير على مسار أسعار الفضة في الفترة المقبلة، مع بقاء حالة عدم اليقين سائدة.










