يتزايد الاهتمام بمواقع الأقمار الصناعية في القطب الشمالي، حيث تتجه شركات تشغيل الأقمار الصناعية نحو هذه المنطقة الاستراتيجية. يعود هذا التحول إلى التنافس المتزايد بين الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، في مجال الفضاء، والحاجة الماسة إلى اتصالات سريعة وموثوقة مع الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات قريبة من القطب الشمالي. هذا التوجه يحول بلدة ديدهورس في ألاسكا إلى مركز حيوي غير متوقع في سباق الفضاء الجديد.
تقع ديدهورس على سهول توندرا في شمال ألاسكا، على بعد حوالي 1400 كيلومتر شمال أنكوريج، وهي بوابة حقل نفط برودهو. على الرغم من افتقارها إلى الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والبنوك والمدارس، إلا أنها تتمتع ببنية تحتية متطورة تدعم عمليات استخراج النفط، والأهم من ذلك، شبكة ألياف ضوئية ضرورية لنقل البيانات من وإلى الأقمار الصناعية. وفقًا لكريستوفر ريتشينز، مؤسس شركة RBC Signals، “لا يمكن وضع أطباق الأقمار الصناعية إلا في الأماكن التي تتوفر فيها الألياف الضوئية، وإلا ستضيع البيانات.”
الأقمار الصناعية في القطب الشمالي: سباق نحو التفوق الاستراتيجي
يزداد الطلب على المحطات الأرضية في جميع أنحاء القطب الشمالي، مدفوعًا بتغير المناخ الذي يفتح طرقًا شحن بحرية جديدة، ويعزز الأهمية الاستراتيجية للمنطقة. تشير التقديرات إلى زيادة في عدد المحطات الأرضية، وتحديث المرافق الحالية، وتوسيع شبكات الكابلات لضمان الموثوقية. يخطط أسطول صيني تجاري للقيام برحلات منتظمة عبر المحيط المتجمد الشمالي إلى أوروبا، في إطار مبادرة “طريق الحرير القطبي”، مما يزيد من الحاجة إلى البنية التحتية للاتصالات.
إضافة إلى ذلك، تبرز خطط الولايات المتحدة لتطوير نظام دفاع فضائي متقدم، والذي أشير إليه بـ”القبة الذهبية”، والذي قد يشمل تركيزًا كبيرًا من الأقمار الصناعية على المنطقة القطبية الشمالية. بدأت واشنطن بالفعل في تخصيص عقود دفاعية كبيرة للشركات التي تعمل في المنطقة، مثل عقد بقيمة 4.1 مليار دولار لشركة نورثروب غرومان لصنع قمرين صناعيين، وعقد بقيمة 2.8 مليار دولار لشركة بوينغ لإنتاج قمرين صناعيين آخرين كجزء من برنامج بقيمة 12 مليار دولار يهدف إلى تعزيز القدرات في القطب الشمالي.
روسيا والصين تزيدان من تواجدها في الفضاء القطبي
تستثمر كل من روسيا والصين بشكل كبير في الأقمار الصناعية القطبية. وفقًا لـ جوناثان ماكدويل، عالم الفيزياء الفلكية، زادت بكين بشكل ملحوظ من عدد أقمارها الصناعية التي تدور في مدارات قطبية. تدرك هذه الدول أن المدار القطبي يوفر ميزة فريدة، حيث يمر فوق جميع نقاط الأرض، مما يسمح بمراقبة شاملة وفعالة.
كما يرى خبراء مثل ديفيد مارش، مؤسس شركة Space For Earth، أن المدار القطبي يوفر تغطية عالمية، حيث “تدور الأرض بأكملها من تحتك وأنت تدور حولها”. هذا يجعل المنطقة حيوية لمراقبة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، كما يشير بيير لوبلان، العقيد المتقاعد في القوات المسلحة الكندية، إلى أن المنطقة ستكون مسارًا رئيسيًا لأي صواريخ يتم إطلاقها من الصين أو روسيا.
النرويج وسفالبارد: موقع استراتيجي مع قيود
يُعد أرخبيل سفالبارد النرويجي موقعًا مثاليًا لمتابعة الأقمار الصناعية، حيث يمثل أقرب مستوطنة كبيرة إلى القطب الشمالي، ويتصل بالبر الرئيسي للنرويج عبر كابل بحري. تضم الجزر محطة “سفالسات” (Svalsat)، وهي أكبر محطة أرضية للأقمار الصناعية القطبية في العالم.
ومع ذلك، تفرض معاهدة عام 1920 قيودًا على استخدام سفالبارد، حيث تحظر أي أنشطة عسكرية. يوضح أولي كوكفيك، مدير Svalsat، أنه “لا يمكن تنزيل البيانات للاستخدام العسكري” من الجزيرة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه البنية التحتية للكابلات البحرية تهديدات محتملة، كما يتضح من انقطاع التيار الكهربائي الذي تعرض له كابل Space Norway في عام 2022، والهجمات التي استهدفت كابلات البيانات في بحر البلطيق.
توسع البنية التحتية في كندا والسويد
في السويد، قامت شركة Arctic Space Technologies بتركيب أول هوائي لها في مدينة بيتيو عام 2022، وتخطط للتوسع إلى 40 هوائيًا العام المقبل لخدمة العملاء الحكوميين والشركات مثل Viasat و Eutelsat Communications. تدرك الشركة المخاطر المرتبطة بالتواجد في جزيرة نائية، وتتخذ تدابير لتعزيز الأمن.
وفي كندا، افتتحت شركة Eutelsat محطة أرضية في يلونايف بالتعاون مع Swedish Space و Northwestel. كما تشهد مدينة إينوفيك في الأقاليم الشمالية الغربية نشاطًا متزايدًا، حيث تضم محطات أرضية تملكها كندا وشركة Kongsberg لخدمات الأقمار الصناعية النرويجية، وتخدم حكومات فرنسا وألمانيا والسويد. تخطط شركة C-Core، مشغلة محطة أرضية أخرى في إينوفيك، للتوسع في ظل سعي الحكومة الكندية إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة.
وفي الختام، من المتوقع أن يستمر التنافس على البنية التحتية للأقمار الصناعية في القطب الشمالي بوتيرة متسارعة. تشير التطورات الحالية إلى أن الفترة القادمة ستشهد مزيدًا من الاستثمارات في المحطات الأرضية، وشبكات الاتصالات، والقدرات الدفاعية في المنطقة. أما بالنسبة للتحديات، كتهديدات الكابلات البحرية، وظروف الطقس القاسية، فإن التغلب عليها سيكون أمرًا بالغ الأهمية لضمان استدامة وفعالية هذه البنية التحتية الحيوية. ما يجب مراقبته هو مدى التزام الدول المختلفة بتمويل هذه المشاريع، وكيف ستتعامل مع القيود القانونية والجيوسياسية.










