تتجه ناقلة غاز طبيعي مسال، “زاريا”، خاضعة للعقوبات الأمريكية، نحو قناة السويس، مما يثير تساؤلات حول سعي روسيا لتجاوز القيود التجارية المفروضة عليها. تأتي هذه الخطوة بعد فترة من الإبحار المتكرر في شمال المحيط الأطلسي، وتشير إلى محاولة لخفض التكاليف وأوقات الرحلات، على الرغم من المخاطر المتزايدة، في ظل تراجع حركة الغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر.
السفينة، التي تمر بمحاذاة شمال أفريقيا، قامت الشهر الماضي بتحميل شحنة من منشأة “آركتيك إل إن جي 2” الروسية لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وهي منشأة مستهدفة أيضاً بالعقوبات الأمريكية. من المتوقع أن تصل “زاريا” إلى ميناء بورسعيد، مصر، خلال اليومين المقبلين، بحسب بيانات تتبع السفن التي جمعتها وكالة بلومبرغ.
تحدي العقوبات: مسارات ناقلات الغاز الطبيعي المسال البديلة
يأتي تحرك ناقلة “زاريا” في وقت يشهد فيه قطاع الغاز الطبيعي المسال العالمي اضطرابات كبيرة بسبب الهجمات المتزايدة التي تشنها جماعة الحوثي في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر. وقد أدت هذه الهجمات إلى تجنب معظم ناقلات الغاز الطبيعي المسال لهذا الممر الحيوي، مما أثر على سلاسل الإمداد العالمية وزاد من تكاليف الشحن.
تأثير أزمة البحر الأحمر
منذ بداية العام الحالي، شهدت حركة الشحن في البحر الأحمر انخفاضاً ملحوظاً، حيث اتجهت الشركات إلى استخدام طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة، مثل طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا. آخر ناقلة غاز طبيعي مسال عبرت جنوباً من البحر الأحمر كانت الناقلة الروسية “آركتيك مولان” في مايو الماضي، وفقاً لشركة “إنرجي أسبكتس”.
تسعى الناقلات الروسية الخاضعة للعقوبات إلى إيجاد طرق لتقليل تأثير هذه العقوبات على تجارتها، وغالباً ما تتضمن هذه الطرق الإبحار في مناطق تعتبر أكثر خطورة. يُعتبر استمرار هذه المسارات مؤشراً على تصميم روسيا على الحفاظ على تدفق صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، حتى لو كان ذلك يعني تحمل مخاطر إضافية.
وحالياً، تعد الصين المستهلك الرئيسي للوقود الروسي الخاضع للعقوبات، حيث استقبلت 15 شحنة من مشروع “آركتيك إل إن جي 2” منذ شهر أغسطس الماضي، استناداً إلى بيانات تتبع السفن. هذا يظهر الاعتماد المتزايد للصين على مصادر الطاقة الروسية.
في هذا السياق، صرح توم بوردي، كبير محللي الغاز الطبيعي المسال في شركة “إنرجي أسبكتس”، بأن المخاطر في البحر الأحمر لا تزال عالية بسبب التوترات الإقليمية المستمرة وجهود الحوثيين في إعادة التسلح. ووفقاً له، فإن نجاح “زاريا” في العبور سيكون بمثابة إشارة إيجابية، ولكنه لن يكون كافياً لإعادة تدفق الغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر بشكل سريع.
تأتي هذه التطورات في ظل سعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الحد من اعتمادهم على الطاقة الروسية، وفرض عقوبات تهدف إلى تقليص قدرة روسيا على تمويل الحرب في أوكرانيا. لكن هذه العقوبات تدفع روسيا إلى البحث عن طرق بديلة لتصدير الطاقة، وغالباً ما تتضمن هذه الطرق العمل مع دول أخرى مثل الصين، واستخدام ناقلات “أسطول الظل” لتجنب الرقابة.
هناك أيضاً تطورات أخرى في مشهد الطاقة العالمي. على سبيل المثال، يشهد سوق الغاز الطبيعي المسال تنافساً متزايداً بين الدول المصدرة، حيث تسعى قطر والولايات المتحدة إلى زيادة حصتهما في السوق، في الوقت الذي تواجه فيه روسيا صعوبات في الوصول إلى الأسواق التقليدية. يبدو أن هذا التنافس سيستمر في التأثير على الأسعار وتوجهات التجارة العالمية.
الوضع الراهن يشير إلى أن تجارة الغاز الطبيعي المسال الروسية ستستمر في التكيف مع العقوبات والتحديات الجيوسياسية. سيراقب المحللون عن كثب مسار “زاريا” عبر البحر الأحمر، ومدى استعداد ناقلات أخرى للمخاطرة في هذا الممر الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، سيتابعون التطورات في المفاوضات الدبلوماسية الرامية إلى حل الأزمة في اليمن، وتقييم تأثير أي تغيير في الوضع الأمني على حركة الشحن.
من المتوقع أن تصدر المزيد من البيانات حول حركة ناقلات الغاز الطبيعي المسال في الأسابيع القادمة، والتي ستوفر رؤى أعمق حول كيفية استجابة السوق للتحديات الحالية. كما يتوقع أن يتم الإعلان عن إجراءات جديدة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بهدف تشديد العقوبات على روسيا وزيادة الضغط عليها لإنهاء الحرب في أوكرانيا.










