في خضم التحديات التي واجهتها شركة بوينغ خلال العام الماضي، شهدت منافستها الأوروبية، إيرباص، تسارعًا في وتيرة إنتاجها. ومع ذلك، لطالما حثّ الرئيس التنفيذي لإيرباص، غيوم فوري، فريقه على التواضع. هذا التواضع أثبتت الأحداث الأخيرة أنه في محله، حيث واجهت إيرباص سلسلة من المشكلات الإنتاجية التي سلطت الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد في قطاع الطيران، حتى بعد تجاوز آثار جائحة كوفيد-19.
إيرباص تواجه ضربتين في أسبوع واحد
في الأربعاء الماضي، اضطرت إيرباص إلى التراجع عن هدفها السنوي لتسليم الطائرات، وهو الهدف الذي دافعت عنه بقوة. وقد كشف التحقيق أن موردًا إسبانيًا صغيرًا قدم ألواح طائرات غير مطابقة للمواصفات، مما أظهر مدى اعتماد هذا العملاق الصناعي، الذي تبلغ قيمته السوقية 155 مليار يورو، على شبكة واسعة من الموردين الصغار.
لم تكن هذه هي المشكلة الوحيدة التي واجهتها إيرباص. ففي نهاية الأسبوع، دعت الشركة إلى مراجعة برمجية عاجلة لأسطول يضم حوالي 6000 طائرة من طراز A320، بعد اكتشاف خلل محتمل في تفاعل أنظمة الحاسوب مع أدوات التحكم بالطيران. وفي غضون أيام قليلة، أعلنت إيرباص عن مشكلة أخرى تتعلق بجودة بعض الألواح المعدنية المستخدمة في هيكل الطائرة، مما استدعى فحص أكثر من 600 طائرة.
إقلاع بوينغ.. وهبوط اضطراري لإيرباص
توني فرنانديز، مؤسس شركة طيران إير آسيا، صرّح في مقابلة مع بلومبرغ في الثاني من ديسمبر بأن “الضغط لتحقيق نتائج فصلية، وأحيانًا المنافسة، قد يؤدي إلى تراجع طفيف في الجودة… وهذا بمثابة تحذير للجميع”. هذه الأحداث المتتالية أثارت قلق المستثمرين وأدت إلى أسوأ أداء يومي لسهم إيرباص منذ أبريل.
في المقابل، شهدت شركة بوينغ أفضل انتعاشة لأسهمها منذ أشهر، مدفوعة بتفاؤل بشأن تعافيها المالي. أعلنت بوينغ عن توقعات إيجابية، بما في ذلك زيادة متوقعة في تسليمات طرازي 737 و787، وعودة إلى تحقيق تدفقات نقدية إيجابية بعد سنوات من الخسائر.
نجحت بوينغ في تجاوز أزمة بدأت في أواخر عام 2018 بتحطم طائرتين، وتفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19، ثم تفاقمت في بداية عام 2024 بسبب عيوب تصنيعية. وقد تلقت الشركة دعمًا كبيرًا من رئيسها التنفيذي الجديد، كيلي أورتبرغ، الذي أجرى تغييرات إدارية واسعة.
دور الدعم الحكومي
حظيت بوينغ أيضًا بدعم من الحكومة الأمريكية، حيث استخدم الرئيس السابق دونالد ترامب صفقات الطائرات كورقة ضغط في المفاوضات التجارية. بينما تعترف إيرباص بأنها لا تحظى بنفس المستوى من الدعم الحكومي، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيرافق فوري في زيارة رسمية إلى الصين، وهي سوق رئيسية لطائرات إيرباص، في ظل التوترات المتزايدة بين بكين وواشنطن.
تأثير المشكلات على قطاع الطيران
على الرغم من أن تعثر إيرباص قد لا يصل إلى مستوى الأزمة التي واجهتها بوينغ العام الماضي، إلا أنه سيؤدي إلى تأخير تسليم الطائرات لبعض شركات الطيران، في وقت تحتاج فيه هذه الشركات إلى تحديث أساطيلها لتلبية الطلب المتزايد على السفر. وقد أعربت شركات مثل رايان إير عن قلقها بشأن التأخيرات المتكررة.
وفقًا للمحلل ينس-بيتر ريك من شركة MWB Research، فإن “المشكلة الجديدة في ألواح هيكل الطائرة تبرز الهشاشة المستمرة في سلسلة التوريد الخاصة بطائرات الممر الواحد، وتعزز قناعتنا بأن إيرباص تواجه قيودًا هيكلية تحول دون رفع وتيرة الإنتاج”. وأضاف أن التوقعات طويلة الأجل للإنتاج “باتت تبدو أبعد فأبعد عن الواقع”.
المنافسة في قطاع الطيران
في حين أن الصين تسعى إلى دخول سوق تصنيع الطائرات، يظل مستقبل إيرباص وبوينغ متشابكًا. لطالما احتفظت بوينغ بمكانة رائدة في السوق، مدعومة بنجاح طراز 737 والطائرات عريضة البدن. ومع ذلك، نجحت إيرباص في التنافس بقوة، خاصة مع طراز A320 الذي أصبح الطائرة التجارية الأكثر استخدامًا في العالم.
تخطط إيرباص لرفع وتيرة إنتاج طائرات A320 إلى 75 طائرة شهريًا بحلول عام 2027، في حين تسعى بوينغ أيضًا إلى زيادة إنتاج طراز 737. ومع تسارع الإنتاج، تزداد الحاجة إلى الحفاظ على معايير الجودة وضمان قدرة سلاسل الإمداد على مواكبة هذا الزخم.
بالإضافة إلى مشكلات الألواح، تواجه إيرباص أيضًا مشكلات في المحركات على طائرات A320neo، مما اضطرها إلى إخراج مئات الطائرات من الخدمة مؤقتًا للصيانة. كما تواجه الشركة مشكلات تتعلق بالمكونات الداخلية في طراز A350.
من المتوقع أن تركز إيرباص في الأشهر القادمة على معالجة هذه المشكلات الإنتاجية، وإعادة الثقة إلى العملاء والمستثمرين. سيكون من المهم مراقبة مدى قدرة الشركة على تحقيق أهدافها الإنتاجية المعدلة، وكيف ستؤثر هذه المشكلات على أرباحها في المستقبل. كما سيكون من المهم متابعة التطورات في سلاسل الإمداد، وتقييم تأثير أي اضطرابات محتملة على قطاع الطيران بشكل عام.

