خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لفائض النفط العالمي للعامين الحالي والمقبل، وذلك للمرة الأولى منذ عدة أشهر. ويعزى هذا التخفيض إلى تحسن الطلب العالمي على النفط، بالإضافة إلى تباطؤ وتيرة نمو الإنتاج، مما أثار تساؤلات حول مستقبل أسعار الطاقة وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي.
وتتوقع الوكالة الآن أن يتجاوز المعروض العالمي من النفط الطلب بحوالي 3.815 مليون برميل يومياً في عام 2026، وهو رقم قياسي لا يزال مرتفعاً، ولكنه أقل بنحو 231 ألف برميل يومياً عن التقديرات السابقة التي صدرت في الشهر الماضي. يأتي هذا التعديل بعد فترة شهدت فيها أسواق النفط مخاوف متزايدة بشأن احتمال حدوث فائض كبير في المعروض.
مراجعة توقعات النفط وتأثيرها على الأسواق
أوضحت وكالة الطاقة الدولية، وهي مصدر رئيسي للبيانات والتحليلات في قطاع النفط، أن هذا التغيير في التوقعات يعكس عدة عوامل رئيسية. من بين هذه العوامل قرار منظمة أوبك+ بتعليق الزيادات المخطط لها في إنتاج النفط، بالإضافة إلى انخفاض طفيف في تقديرات إنتاج الدول المنافسة لأوبك+. كما ساهم في ذلك تحسن آفاق الاستهلاك العالمي للنفط، مدفوعاً بتعافي اقتصادي أوسع نطاقاً.
وقد شهدت أسواق النفط تقلبات ملحوظة في الآونة الأخيرة، حيث انخفض خام برنت إلى ما دون 62 دولاراً للبرميل، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 17% منذ بداية العام. هذا الانخفاض يعكس المخاوف السابقة بشأن زيادة المعروض، ولكن التعديلات الأخيرة في التوقعات قد توفر بعض الدعم للأسعار.
مخاوف سابقة بشأن تخمة النفط
في وقت سابق من هذا العام، حذرت شركة ترافيغورا غروب من احتمال حدوث “تخمة مفرطة” في النفط، مما قد يؤدي إلى ضغوط هبوطية كبيرة على الأسعار. وقد أثار هذا التحذير قلق المستثمرين والمحللين على حد سواء، حيث توقعوا أن يؤدي زيادة الإنتاج من قبل أوبك+ إلى تفاقم مشكلة الفائض في المعروض. ومع ذلك، فإن قرار أوبك+ بتعليق الزيادات قد ساهم في تخفيف هذه المخاوف.
على الرغم من المراجعة الإيجابية، لا يزال الفائض المتوقع في العام المقبل عند مستويات مرتفعة تاريخياً، باستثناء الفترة القصيرة خلال جائحة كوفيد-19 في عام 2020، عندما انهار الطلب العالمي على النفط بشكل كبير. وتشير الوكالة إلى أن الكميات الفعلية قد تكون أقل من التقديرات المعلنة، نظراً لإمكانية قيام المنتجين بتعديل مستويات إنتاجهم استجابةً لظروف السوق المتغيرة.
العوامل المؤثرة في تعديل التوقعات
يرجع جزء من التخفيض في توقعات الفائض إلى “انخفاض ضخم” في الإمدادات العالمية، يقدر بنحو 1.5 مليون برميل يومياً مقارنة بالمستويات التي كانت عليها في سبتمبر الماضي. وقد تأثر الإنتاج في روسيا وفنزويلا، الدولتان الخاضعتان للعقوبات، بالإضافة إلى حدوث توقفات غير متوقعة في الإنتاج في الكويت وكازاخستان.
وفي تطور منفصل، اعترضت القوات الأمريكية ناقلة نفط إيرانية خاضعة للعقوبات قبالة سواحل فنزويلا وصادرتها، مما قد يزيد من صعوبة تصدير النفط من قبل هذه الدولة. هذا الإجراء قد يؤدي إلى تقليل المعروض العالمي من النفط، وبالتالي دعم الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، قررت الدول الرئيسية في أوبك+ التوقف عن زيادة الإنتاج في الربع الأول من العام، بعد الوتيرة السريعة التي رفعت بها الإمدادات في وقت سابق. ويأتي هذا القرار في ظل تراجع موسمي في الطلب على النفط.
ورفعت وكالة الطاقة الدولية أيضاً توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2025 إلى 830 ألف برميل يومياً، مع زيادة طفيفة متوقعة في عام 2026. وتتوقع الوكالة أن يبلغ متوسط الطلب العالمي على النفط مستوى قياسياً يناهز 103.9 مليون برميل يومياً خلال العام الجاري. هذا الارتفاع في الطلب يعكس التعافي الاقتصادي المستمر في العديد من البلدان، وخاصة في الهند والصين، وهما من أكبر مستهلكي النفط في العالم.
في الختام، تشير التوقعات المعدلة لوكالة الطاقة الدولية إلى أن أسواق النفط قد تكون أكثر توازناً مما كان متوقعاً في السابق. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على الأسعار في المستقبل، بما في ذلك قرارات أوبك+، والتطورات الجيوسياسية، والنمو الاقتصادي العالمي. من المتوقع أن تصدر الوكالة تقريراً جديداً في الشهر المقبل يقدم تحديثاً شاملاً لتوقعاتها بشأن النفط، وسيراقب المحللون عن كثب أي تغييرات إضافية في التوقعات.










