أطلقت الصين سلسلة من الصناديق الاستثمارية الضخمة، بما في ذلك صندوق وطني لرأس المال الجريء، بهدف تعزيز قطاع التكنولوجيا المحلي وتحسين كفاءة الاستثمار في الشركات الناشئة. وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه بكين إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات التكنولوجية الرئيسية، وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية، خاصة في مواجهة الولايات المتحدة. يمثل هذا الصندوق دفعة قوية لـ رأس المال الجريء في الصين، ويشير إلى تحول استراتيجي في دعم الابتكار.
بدأت هذه الصناديق، التي تشمل “الصندوق الوطني لتوجيه الاستثمار في الشركات الناشئة” وثلاثة صناديق إقليمية تغطي مناطق رئيسية مثل بكين وتيانجين وخبي، ودلتا نهر يانغتسي، ومنطقة الخليج الكبرى، عملياتها يوم الجمعة. وتهدف هذه المبادرة إلى توفير التمويل اللازم للشركات الصينية الواعدة في مراحلها الأولى، وتسريع نموها.
الصين تستثمر مليارات الدولارات في تعزيز رأس المال الجريء
خصصت وزارة المالية الصينية 100 مليار يوان (حوالي 14.3 مليار دولار) للصندوق الوطني، من خلال إصدار سندات سيادية خاصة طويلة الأجل، وفقًا لتصريحات قوه فانغ مينغ، المسؤول بوزارة المالية. ويعتبر هذا التمويل الأولي كبيرًا، ولكنه قد يرتفع مع جذب استثمارات إضافية من الصناديق المحلية ورأس المال الخاص، حيث تشير التقديرات إلى إمكانية الوصول إلى تريليون يوان.
أما الصناديق الإقليمية الثلاثة، فقد تأسست من خلال حصص ملكية الصندوق الوطني في شراكات محدودة، ومن المتوقع أن ينمو حجم كل منها إلى أكثر من 50 مليار يوان في المستقبل. هذه الصناديق الإقليمية ستلعب دورًا حيويًا في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية في كل منطقة.
المنافسة التكنولوجية مع الولايات المتحدة
تأتي هذه الخطوة في سياق تصاعد التوترات التجارية والتكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة. تسعى الصين إلى تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية، وتطوير قدراتها الخاصة في مجالات مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. وقد أظهر النجاح الأخير لشركة “ديب سيك” في مجال الذكاء الاصطناعي أهمية الاستثمار في الشركات الناشئة الواعدة.
ومع ذلك، تواجه الشركات الناشئة في الصين تحديات كبيرة، بما في ذلك صعوبة الحصول على التمويل، ونقص في الخبرات المتخصصة، وبيئة تنظيمية معقدة. يهدف الصندوق الوطني إلى معالجة هذه التحديات من خلال توفير “رأس المال الصبور” الذي يدعم النمو طويل الأجل للشركات.
دعم “العمالقة الصغار” والشركات الناشئة
يركز الصندوق الوطني بشكل خاص على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تُعرف باسم “العمالقة الصغار”، وهي الشركات التي تتمتع بإمكانات نمو عالية وتتماشى مع أولويات الحكومة في مجال التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، سيستثمر الصندوق في شركات “يونيكورن” في مختلف القطاعات.
سيتم تخصيص ما لا يقل عن 70% من استثمارات الصندوق الوطني للشركات في المراحل المبكرة والناشئة. وسيستهدف الصندوق الشركات التي لا يتجاوز تقييمها 500 مليون يوان، مع تحديد حد أقصى للاستثمار في كل صفقة بقيمة 50 مليون يوان. هذه الاستراتيجية تهدف إلى ضمان وصول التمويل إلى الشركات التي تحتاج إليه بشدة.
ستُعطى الأولوية في الاستثمار للقطاعات الاستراتيجية الناشئة، مثل الدوائر المتكاملة، والتكنولوجيا الكمية، والطب الحيوي، وتقنيات واجهات الدماغ والحاسوب، وصناعة الطيران والفضاء. وتعتزم الصناديق الإقليمية الثلاثة التركيز على هذه القطاعات في مناطقها الخاصة.
تعتبر هذه الصناديق الاستثمارية الجديدة خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف الصين الطموحة في مجال التكنولوجيا والابتكار. ومن المتوقع أن تلعب دورًا حاسمًا في دعم نمو الشركات الناشئة، وتعزيز القدرة التنافسية للصين على الساحة العالمية.
من المقرر أن يعمل الصندوق الوطني لمدة 20 عامًا، مع فترة استثمار مدتها 10 سنوات وفترة تخارج مماثلة. وسيتولى مديرون متخصصون اتخاذ قرارات الاستثمار بناءً على مبادئ السوق. يبقى أن نرى مدى نجاح هذه الصناديق في تحقيق أهدافها، وما إذا كانت ستتمكن من جذب الاستثمارات المتوقعة، ودعم نمو الشركات الناشئة الصينية في السنوات القادمة.

