شهد اليوان الصيني ارتفاعاً ملحوظاً، متجاوزاً حاجز الـ 7 مقابل الدولار الأمريكي للمرة الأولى منذ سبتمبر 2024. يأتي هذا الارتفاع مدفوعاً بتوقعات واسعة النطاق بأن بنك الشعب الصيني سيسمح بتعزيز تدريجي لقيمة العملة بهدف استعادة ثقة الأسواق وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. وقد سجل اليوان مكاسب تصل إلى 0.2% في التعاملات الخارجية، ليبلغ سعر الصرف 6.9964 للدولار الواحد يوم الخميس.
يعكس هذا التحرك في قيمة اليوان الصيني اتجاهاً صعودياً بدأ يتبلور خلال الأشهر الأخيرة، حيث قامت بكين بتوجيه العملة نحو الارتفاع من خلال تعديل السعر المرجعي اليومي. يأتي هذا في إطار استراتيجية تهدف إلى تحقيق مكاسب للعملة دون إثارة اضطرابات كبيرة في أسواق الصرف الأجنبي، وهو ما يتماشى مع سعي الحكومة الصينية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
بكين تدعم صعود اليوان الصيني تدريجياً
يستعد اليوان الصيني لتحقيق أفضل أداء سنوي له مقابل الدولار منذ حوالي خمس سنوات. يعزى هذا الأداء القوي إلى عدة عوامل متضافرة، بما في ذلك ضعف الدولار الأمريكي، وتدفقات رؤوس الأموال التي تبحث عن فرص استثمارية في السوق الصينية المتنامية، بالإضافة إلى تراجع حدة التوترات الجيوسياسية العالمية.
وفقاً لـ وانغ تشينغ، كبير محللي الاقتصاد الكلي في شركة “غولدن كريديت ريتينغ”، فإن اليوان تلقى دعماً إضافياً من خلال ضعف الدولار والتحويلات الموسمية للعملات الأجنبية من قبل المصدرين. وأضاف أن استمرار ارتفاع قيمة اليوان الصيني سيعزز من جاذبية الأسواق المالية الصينية للمستثمرين الأجانب، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
في المقابل، تشير بعض التقارير إلى أن السيولة في الأسواق الخارجية كانت محدودة بسبب تأثيرات العطلات. تجدر الإشارة إلى أن أسواق هونغ كونغ كانت مغلقة يومي 25 و26 ديسمبر بمناسبة عطلة رسمية، مما أثر على حجم التداول.
توازن بين الارتفاع والسيطرة على التقلبات
تسعى بكين إلى تحقيق توازن دقيق بين السماح بارتفاع قيمة اليوان الصيني وتعزيز جاذبية الاقتصاد، وبين الحفاظ على استقرار أسواق الصرف ومنع التقلبات المفرطة. تعتبر التقلبات الكبيرة في قيمة العملة أمراً غير مرغوب فيه، حيث يمكن أن تؤثر سلباً على التجارة والاستثمار.
تظهر بيانات التداول أن هناك اتجاهاً نحو بيع الدولار وشراء اليوان، مع ملاحظة قيام بعض البنوك الصينية الكبرى بشراء كميات كبيرة من الدولار عند مستويات قريبة من 7.006. يعكس هذا السلوك محاولة من البنوك الصينية لامتصاص بعض الضغوط الصعودية على اليوان والحفاظ على استقرار السوق.
تقييم قيمة اليوان الصيني: هل هو مقوم بأقل من قيمته الحقيقية؟
على الرغم من الارتفاع الأخير، يرى العديد من المحللين أن اليوان الصيني لا يزال مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية، خاصةً عند مقارنته بأساسيات الاقتصاد الصيني وأوضاع التجارة العالمية. يعزى هذا إلى الضغوط الانكماشية المستمرة التي يشهدها الاقتصاد الصيني.
تشير تقديرات بنك “غولدمان ساكس” إلى أن قيمة اليوان الصيني أقل بنحو 25% من قيمته العادلة إذا ما قورنت بالأوضاع الاقتصادية الأساسية في الصين. هذا التقييم يعكس وجهة نظر مفادها أن هناك مجالاً لمزيد من الارتفاع في قيمة العملة.
من جانبه، يتوقع تشاو بنغ شينغ، كبير الاستراتيجيين في بنك “أستراليا آند نيوزيلند بانكينغ غروب”، أن يظل اليوان قوياً ضمن نطاق يتراوح بين 6.95 و7 مقابل الدولار خلال النصف الأول من العام المقبل. يعتمد هذا التوقع على استمرار التحسن في الاقتصاد الصيني واستقرار أسواق المال العالمية. وتشير التوقعات إلى أن سعر الصرف قد يشهد بعض التقلبات الطفيفة، لكن الاتجاه العام من المرجح أن يظل صعودياً.
بشكل عام، من المتوقع أن يستمر بنك الشعب الصيني في توجيه اليوان الصيني نحو الارتفاع التدريجي، مع مراقبة دقيقة لظروف السوق وتجنب أي تحركات مفاجئة قد تؤدي إلى اضطرابات. سيكون من المهم متابعة بيانات التضخم والنمو الاقتصادي في الصين، بالإضافة إلى تطورات السياسة النقدية للبنك المركزي، لتقييم المسار المستقبلي لقيمة العملة. كما أن تطورات العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة ستلعب دوراً هاماً في تحديد مصير اليوان.

