شهدت ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة انخفاضاً ملحوظاً خلال شهر ديسمبر، مسجلةً تراجعاً للشهر الخامس على التوالي. يعكس هذا الانخفاض قلقاً متزايداً بين الأمريكيين بشأن الأوضاع الاقتصادية، وخاصةً فيما يتعلق بسوق العمل والتضخم. البيانات الصادرة عن مجلس المؤتمرات (Conference Board) تشير إلى أن هذا التراجع المستمر يمثل تحدياً للاقتصاد الأمريكي في بداية العام الجديد.

أظهر مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن مجلس المؤتمرات انخفاضاً إلى 89.1 نقطة في ديسمبر، مقارنةً بـ92.9 نقطة في نوفمبر. يمثل هذا الانخفاض أطول سلسلة تراجع في المؤشر منذ عام 2008، مما يؤكد على تدهور النظرة الاقتصادية لدى المستهلكين. وتشير هذه الأرقام إلى أن المستهلكين أصبحوا أقل تفاؤلاً بشأن قدرتهم على الإنفاق، مما قد يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي.

تأثير التضخم على ثقة المستهلك

كان الاقتصاديون يتوقعون استقراراً أو تحسناً طفيفاً في ثقة المستهلكين بعد انتهاء الإغلاق الحكومي، لكن التراجع المستمر فاق التوقعات. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتأثيرها على القدرة الشرائية للأسر الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، تزايدت المخاوف بشأن تباطؤ وتيرة التوظيف وارتفاع معدلات البطالة، مما أضاف إلى الضغوط على ثقة المستهلك.

انخفض مؤشر الظروف الحالية بشكل ملحوظ ليصل إلى 116.8 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير 2021. يعكس هذا الانخفاض تقييم المستهلكين السلبي للوضع الاقتصادي الحالي، بما في ذلك أسعار السلع والخدمات وتوافر فرص العمل. في المقابل، بقي مقياس التوقعات للأشهر الستة المقبلة مستقراً نسبياً، مما يشير إلى أن المستهلكين لا يتوقعون تحسناً كبيراً في الأوضاع الاقتصادية على المدى القصير.

توقعات سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي

يتوقع خبراء الاقتصاد أن يظل أداء سوق العمل ضعيفاً خلال العام المقبل، مع عدم توقع تحسن كبير في معدلات البطالة. هذا الوضع قد يستمر في الضغط على مستويات ثقة المستهلكين، مما يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الإنفاق الاستهلاكي. كما تشير التوقعات إلى تباطؤ نمو الأجور في عام 2026، مما قد يزيد من الفجوة في مستويات الدخل ويؤثر على القدرة على تحمل تكاليف المعيشة.

أظهرت البيانات أيضاً أن المستهلكين يقلصون خططهم لشراء السلع المعمرة مثل الأجهزة المنزلية والسيارات، بالإضافة إلى تقليل الإنفاق على السفر والترفيه. هذا التحول في سلوك الإنفاق يعكس حالة عدم اليقين التي يعيشها المستهلكون، ورغبتهم في ترشيد النفقات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وفي تحليل لها، أشارت “بلومبرغ إيكونوميكس” إلى أن تدهور نظرة المستهلكين لتوافر الوظائف في ديسمبر، إلى جانب ضعف التوقعات المستقبلية لسوق العمل، قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى النظر في خفض أسعار الفائدة خلال العام المقبل. ويرجع ذلك إلى أن صحة سوق العمل تعتبر عنصراً أساسياً في قرارات السياسة النقدية التي يتخذها البنك المركزي.

أظهر الاستطلاع أيضاً أن عدداً متزايداً من المستهلكين يعتقدون أن الحصول على وظيفة أصبح أكثر صعوبة، في حين انخفضت نسبة من يرون أن الوظائف متوفرة. هذا الفارق المتقلص بين النظرتين يعتبر مؤشراً مهماً على قوة سوق العمل، وقد يؤثر على قرارات التوظيف والاستثمار في القطاع الخاص.

على الرغم من تراجع ثقة المستهلك، أظهرت بيانات اقتصادية أخرى صدرت مؤخراً أن الاقتصاد الأمريكي سجل نمواً قوياً في الربع الثالث من العام، مدفوعاً بمرونة في إنفاق المستهلكين والشركات. ومع ذلك، فإن هذا النمو قد لا يستمر في الربع الرابع من العام، نظراً لتأثير العوامل السلبية مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

من المتوقع أن يستمر التركيز على بيانات التضخم والوظائف في الأشهر المقبلة، حيث ستلعب هذه البيانات دوراً حاسماً في تحديد مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. كما يجب مراقبة تطورات الأوضاع الجيوسياسية وتأثيرها على أسعار الطاقة والسلع العالمية، حيث يمكن أن تؤثر هذه التطورات على التضخم وثقة المستهلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version