خفّض البنك المركزي الروسي، يوم الجمعة، سعر الفائدة القياسي للمرة الثانية على التوالي، بمقدار نصف نقطة مئوية، ليصل إلى 16%. يأتي هذا القرار في ظل محاولات لتحفيز الاقتصاد، لكنه يعكس أيضاً قلقاً متزايداً بشأن تأثير الزيادات الضريبية القادمة على التضخم. على الرغم من هذا التخفيض، لا يزال سعر الفائدة مرتفعاً نسبياً، مما يشير إلى استمرار الحذر في مواجهة الضغوط التضخمية.

يأتي هذا الإجراء بعد تخفيض مماثل في سبتمبر، ويتماشى مع توقعات معظم الاقتصاديين. ومع ذلك، يراقب السوق عن كثب تحركات البنك المركزي، خاصةً مع تزايد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي وتأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي. تعتبر هذه الخطوة جزءاً من سلسلة إجراءات تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، لكن فعاليتها ستعتمد على عوامل متعددة.

محاولات كبح التضخم في روسيا مع الحفاظ على الاستقرار المالي

أكد البنك المركزي الروسي في بيانه أنه “سيُبقي الأوضاع النقدية مشددة بالقدر اللازم لإعادة التضخم إلى مستواه المستهدف”. ويشير هذا إلى أن البنك لا يتوقع خفضاً كبيراً في أسعار الفائدة في المستقبل القريب، بل يفضل الحفاظ على سياسة نقدية صارمة للسيطرة على التضخم. هذا النهج осторожный يعكس التحديات المعقدة التي تواجه الاقتصاد الروسي حالياً.

تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه الاقتصاد الروسي تباطؤاً ملحوظاً في معظم القطاعات غير المرتبطة بالإنفاق العسكري. فقد سجلت قطاعات البناء والنفط والغاز والنقل انكماشاً، بينما يواجه قطاع الفحم تحديات خاصة. على الرغم من ذلك، تجنبت روسيا حتى الآن حدوث موجة إفلاسات واسعة النطاق، وهو ما يعزى إلى التدخلات الحكومية ودعم البنك المركزي.

تأثير الزيادات الضريبية القادمة

أحد أهم العوامل التي دفعت البنك المركزي إلى هذا القرار هو القلق بشأن تأثير الزيادات الضريبية القادمة على التضخم. فقد قررت الحكومة الروسية زيادة ضريبة القيمة المضافة من 20% إلى 22%، وتوسيع نطاق تطبيقها، وذلك بهدف زيادة الإيرادات الحكومية لتمويل الميزانية العسكرية في ظل تراجع إيرادات النفط. توقع ارتفاع كبير في توقعات التضخم لدى الأسر العاملة.

ونتيجة لذلك، ارتفعت توقعات التضخم لدى الأسر بشكل حاد لتصل إلى 13.7% في ديسمبر، كما صعدت توقعات الأسعار لدى الشركات إلى أعلى مستوى لها منذ يناير. يؤكد البنك المركزي على ضرورة تجنب الاستنتاجات المتسرعة في ظل هذه الظروف، ويشدد على أهمية الحفاظ على سياسة نقدية مشددة للسيطرة على التضخم.

على الرغم من تباطؤ التضخم في نوفمبر إلى 6.64% مقارنة بـ7.71% في أكتوبر، إلا أن البنك المركزي يرى أن هناك مخاطر من تجدد صعود التضخم بسبب الزيادات الضريبية وعوامل أخرى. يرى بعض الخبراء أن سعر الفائدة الأمثل للاقتصاد الروسي يجب أن يكون بين 10% و12%، لكن لا يبدو أن البنك المركزي مستعداً لخفض سعر الفائدة إلى هذا المستوى في الوقت الحالي.

تعتبر قوة الروبل الروسي و انخفاض أسعار السلع الأساسية من العوامل الأخرى التي تضغط على قطاعات معينة في الاقتصاد. كما أن ارتفاع تكلفة خدمة الديون يزيد من الأعباء المالية على الشركات والأسر. هذه العوامل مجتمعة تجعل من الصعب على البنك المركزي تحقيق توازنه بين دعم النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم.

وتشير تقديرات مركز البحوث الاقتصادية الكلية في “سبيربنك” إلى أن أسعار الفائدة قد لا تصل إلى النطاق المقبول (10% إلى 12%) قبل نهاية العام المقبل. على الرغم من أن التضخم في روسيا من المتوقع أن ينتهي العام عند 5.7%، وهو أدنى مستوى له في خمس سنوات، إلا أن هناك شكوكاً حول استمرار هذا الاتجاه في المستقبل.

من المتوقع أن تعقد محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، مؤتمراً صحفياً لتوضيح تفاصيل القرار والإجابة على أسئلة الصحفيين. سينصب التركيز على توقعات البنك المركزي للتضخم والنمو الاقتصادي، والإجراءات التي يعتزم اتخاذها في المستقبل. كما سيراقب السوق عن كثب أي إشارات حول مسار أسعار الفائدة و تأثير الزيادات الضريبية.

بشكل عام، تشير التطورات الأخيرة إلى أن البنك المركزي الروسي سيواصل اتباع نهج حذر في ما يتعلق بالسياسة النقدية، مع إعطاء الأولوية للسيطرة على التضخم والحفاظ على الاستقرار المالي. وسيظل مسار أسعار الفائدة غير مؤكد، ويعتمد على تطورات الاقتصاد الروسي والعوامل الخارجية. يتوقع مراقبون أن يستمر هذا الوضع على الأقل حتى الربع الأول من عام 2026، مع ضرورة مراقبة دقيقة لتأثيرات السياسات الحكومية على توقعات التضخم المستقبلية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version