أعلنت روسيا أنها حددت أهدافًا وتوقيتًا لهجوم مضاد محتمل، وذلك بعد استهداف أوكراني لمنطقة قريبة من مقر إقامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يأتي هذا التصعيد في وقت حرج من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى حل للصراع المستمر في أوكرانيا، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري.
تتوالى التطورات الميدانية والسياسية بوتيرة متسارعة، حيث تترافق الإعلانات الروسية مع محادثات مكثفة بين الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بهدف إيجاد إطار عمل للسلام. وقد عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لقاءً مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريدا لمناقشة مقترحات سلام جديدة، بينما تصر روسيا على شروطها الخاصة لوقف إطلاق النار.
دونباس.. حجر الزاوية في موقف روسيا
أكد الكرملين، يوم الاثنين، أن أي وقف لإطلاق النار في أوكرانيا يعتمد بشكل أساسي على انسحاب القوات الأوكرانية من منطقة دونباس. وحذر المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، من أن كييف قد تخسر المزيد من الأراضي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، مشددًا على ضرورة الانسحاب الكامل من “الحدود الإدارية لدونباس” كشرط مسبق لوقف القتال.
تشير التقديرات الروسية إلى أن قواتها تسيطر حاليًا على حوالي خمس الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي تم ضمها في عام 2014، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من دونباس، وأجزاء من مناطق زابوريجيا وخيرسون وخاركيف وغيرها. وبحسب بيسكوف، فإن الحديث يدور عن سحب القوات الأوكرانية المسلحة من دونباس، ولكنه امتنع عن التعليق على ما إذا كان الانسحاب سيشمل المناطق الأخرى.
مقترحات السلام والتحديات
من جانبه، أوضح الرئيس زيلينسكي أن السيطرة على دونباس ومحطة زابوريجيا النووية لا تزال قضايا معلقة ضمن خطة السلام التي تتكون من 20 بندًا. وأشار إلى أن المحادثات مستمرة بشأن إنشاء منطقة اقتصادية حرة في دونباس، دون الخوض في تفاصيل إضافية. وتدرس الولايات المتحدة هذا المقترح، والذي يتضمن انسحابًا أوكرانيًا من دونيتسك، إلا أن آلية تنفيذ هذه المنطقة الاقتصادية المقترحة لا تزال غير واضحة.
رفض الكرملين التعليق على هذا الطرح أو على مستقبل محطة زابوريجيا النووية، معتبرًا أن الوقت الحالي غير مناسب لمناقشة هذه القضايا. ويرى مراقبون أن مستقبل المحطة النووية يمثل نقطة خلاف رئيسية بين الطرفين، نظرًا للمخاطر المحتملة المرتبطة بها.
تواصل دبلوماسي رفيع المستوى
أفاد المتحدث باسم الكرملين بأن مكالمة هاتفية جديدة بين ترمب وبوتين من المتوقع أن تتم قريبًا، وذلك بعد محادثة أولية جرت الأحد قبل لقاء ترمب بزيلينسكي. في المقابل، لا يوجد حاليًا أي ترتيب لعقد مكالمة مباشرة بين بوتين وزيلينسكي.
وفيما يتعلق بالضمانات الأمنية، ذكر زيلينسكي أن مسودة إطار السلام تتضمن ضمانات أمنية أمريكية لأوكرانيا لمدة 15 عامًا، إلا أنه طلب تمديدها إلى 50 عامًا. وأكد ترمب التزام واشنطن بتقديم “ضمانات قوية” لكييف، مشيرًا إلى أن آلية مراقبة وقف إطلاق النار ستكون جزءًا من هذه الضمانات.
شروط أوكرانيا لوقف إطلاق النار
شدد زيلينسكي على ضرورة طرح خطة السلام المؤلفة من 20 بندًا في استفتاء شعبي داخل أوكرانيا، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار لمدة لا تقل عن 60 يومًا يعد شرطًا أساسيًا لإجراء الاستفتاء بشكل آمن وشرعي. كما أوضح أن توقيع خطة السلام يجب أن يتم من قبل أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا وأطراف أوروبية.
وأكد زيلينسكي أن بلاده “مستعدة للحوار مع روسيا وفق أي صيغة ممكنة”، مشيرًا إلى أن عقد اجتماع مباشر مع موسكو يتطلب أولاً اتفاقًا بين ترمب والقادة الأوروبيين على الإطار العام للسلام. وأعرب عن أمله في أن تبدأ الدول الشريكة بتقديم ضمانات أمنية فور التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.
من جانبه، صرح ترمب خلال مؤتمر صحفي في فلوريدا أن لقاءه مع زيلينسكي “قرب كثيرًا التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا“، مشيرًا إلى وجود “شبه توافق” على اتفاقية أمنية بين واشنطن وكييف، لكنه أكد أن “قضايا الأراضي لا تزال عالقة وتتطلب حلاً”. ويعتبر هذا التقارب في وجهات النظر تطورًا إيجابيًا في مساعي السلام.
في الختام، لا تزال المفاوضات معقدة وتواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بقضية الأراضي والضمانات الأمنية. من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من المشاورات الدبلوماسية، مع التركيز على إيجاد حلول مقبولة للطرفين. يبقى من الضروري مراقبة التطورات الميدانية والسياسية عن كثب، وتقييم مدى جدية الأطراف في تحقيق السلام في أوكرانيا.

