أعلنت سلسلة بحثية حديثة أن الارتفاع العالمي السريع في استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة يمثل تهديدًا متزايدًا للصحة العامة. ويؤكد فريق دولي يضم 43 خبيرًا أن هذه الظاهرة ليست مجرد قضية غذائية، بل مشكلة هيكلية تؤثر على النظم الغذائية وتزيد من انتشار الأمراض المزمنة في جميع أنحاء العالم.
نُشرت هذه السلسلة البحثية في دورية The Lancet، وتستند إلى عقود من الأدلة العلمية، وتطالب باتخاذ إجراءات دولية منسقة للحد من انتشار هذه المنتجات التي تسيطر عليها شركات كبرى ذات نفوذ على الأسواق والسياسات العامة وحتى الدراسات العلمية. وتدعو الدراسة إلى فهم أعمق لتأثير هذه الأطعمة على الصحة، وتحديد التدخلات الفعالة للحد من مخاطرها.
ما هي الأطعمة فائقة المعالجة؟
تتميز الأطعمة فائقة المعالجة بتجاوزها المعالجة التقليدية لتصبح منتجات صناعية معقدة. وغالبًا ما تحتوي على مكونات غير موجودة في المطبخ المنزلي، مثل المواد المضافة والنكهات الصناعية والمحليات غير الطبيعية. تختلف هذه المنتجات بشكل كبير عن الأطعمة الكاملة أو قليلة المعالجة، والتي تشكل أساس النظام الغذائي الصحي.
مكونات الأطعمة فائقة المعالجة وتصنيعها
عادة ما تُصنع هذه الأطعمة من مكونات رخيصة ومتاحة بسهولة، مثل الزيوت المهدرجة والبروتينات المعزولة والنشا المعدل، وتتميز بمحتواها العالي من السكر والملح والدهون غير الصحية. تُصمم أطعمة فائقة المعالجة لتحقيق أقصى قدر من الجاذبية الحسية وإطالة العمر الافتراضي، وغالبًا ما تكون معبأة وموجهة للتسويق المكثف.
الانتشار العالمي للأطعمة فائقة المعالجة
تشير البيانات إلى زيادة ملحوظة في استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة في العديد من البلدان حول العالم. ففي إسبانيا، ارتفعت مساهمتها في السعرات الحرارية اليومية من 11٪ إلى 32٪ خلال ثلاثة عقود. وفي الصين، تضاعفت النسبة من 4٪ إلى 10٪ في نفس الفترة. المكسيك والبرازيل سجلا ارتفاعًا مماثلًا، بينما لا تزال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مستويين مرتفعين يتجاوزان 50٪.
تأثير الأطعمة فائقة المعالجة على الصحة
أظهرت مراجعة منهجية شملت 104 دراسة طويلة الأمد وجود صلة قوية بين استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة وزيادة خطر الإصابة بأكثر من 12 حالة صحية. تشمل هذه الحالات السمنة والسكري من النوع الثاني وأمراض القلب والأوعية الدموية والاكتئاب وحتى الوفاة المبكرة. تؤكد هذه النتائج أن هذه الأطعمة ليست مجرد “سعرات حرارية فارغة”، بل لها تأثير سلبي عميق على الصحة العامة.
الجدل العلمي حول الأطعمة فائقة المعالجة
على الرغم من الأدلة المتزايدة، لا يزال هناك جدل علمي حول التصنيفات الدقيقة للأطعمة فائقة المعالجة. ينتقد البعض نقص التجارب السريرية الطويلة الأمد، بينما يشير آخرون إلى أن القيم الغذائية تختلف بشكل كبير بين أنواع هذه الأطعمة. ومع ذلك، يشدد الباحثون على ضرورة التمييز بين النقد العلمي البناء وحملات التشكيك التي تمولها الشركات الكبرى.
نفوذ الشركات المنتجة للأطعمة فائقة المعالجة
تعتبر الشركات التي تنتج الأطعمة فائقة المعالجة من بين الأكثر ربحية في قطاع الأغذية، حيث تبلغ مبيعاتها السنوية 1.9 تريليون دولار. تستخدم هذه الشركات نفوذها السياسي والمالي لحماية مصالحها، من خلال جماعات الضغط والتأثير على الأبحاث العلمية وحملات التسويق المكثفة. يعيق هذا النفوذ الجهود المبذولة لتنظيم هذه المنتجات وحماية المستهلكين.
تدابير مقترحة للحد من استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة
تقترح السلسلة البحثية مجموعة من السياسات للحد من إنتاج وتسويق واستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة. تشمل هذه السياسات فرض قيود على الإعلانات، خاصة تلك الموجهة للأطفال، وتطبيق ضرائب على هذه المنتجات، وتحسين وضع العلامات الغذائية لزيادة الوعي بالمستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، تدعو الدراسة إلى دعم البدائل الصحية وتوفيرها بأسعار معقولة.
تستعرض الدراسة تجربة البرازيل الناجحة في إزالة الأطعمة فائقة المعالجة من المدارس، بهدف الوصول إلى 90٪ من الأطعمة الطازجة أو قليلة المعالجة بحلول عام 2026. يعتبر هذا الإنجاز نموذجًا يمكن اتباعه في بلدان أخرى.
في الختام، تشير الدراسة إلى أن تنظيم الأطعمة فائقة المعالجة يتطلب جهودًا عالمية منسقة وإعادة توزيع للقوة لصالح المجتمعات المحلية. من المتوقع أن تستمر المناقشات حول هذه القضية في المؤتمرات الدولية والمحافل العلمية، مع التركيز على تطوير سياسات فعالة لحماية الصحة العامة. من المهم متابعة تطورات هذه المناقشات والقرارات المتخذة في هذا الصدد.










