أظهرت دراسة علمية حديثة نتائج واعدة حول إمكانية تحسين إدارة السكري من النوع الأول باستخدام دواء قديم ورخيص الثمن، وهو الميتفورمين. وقد كشفت الدراسة أن هذا الدواء، الذي يُستخدم تقليدياً لعلاج السكري من النوع الثاني، يمكن أن يقلل من حاجة المرضى للإنسولين اليومي، مما قد يغير بشكل كبير مسار علاج هذا المرض المزمن.
وأكد الباحثون أن تأثير الميتفورمين على مرضى السكري من النوع الأول يختلف عما كان يُعتقد سابقاً. فبدلاً من تحسين مقاومة الإنسولين، كما هو معروف في النوع الثاني، يبدو أن الدواء يقلل من حاجة الجسم للإنسولين بشكل عام للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم. هذه النتيجة تفتح آفاقاً جديدة في تطوير استراتيجيات علاجية أكثر فعالية وراحة للمرضى.
الميتفورمين والسكري من النوع الأول: آلية عمل جديدة
لطالما استخدم الأطباء الميتفورمين “خارج نطاق الاستخدام المعتمد” مع بعض مرضى السكري من النوع الأول، بناءً على ملاحظات سريرية غير رسمية تشير إلى أنه قد يساعد في تقليل الحاجة إلى الإنسولين. ومع ذلك، لم تكن الآلية الدقيقة لهذا التأثير مفهومة بشكل كامل. الدراسة الجديدة، التي نُشرت في مجلة Nature Communications، تقدم رؤى جديدة حول هذه الظاهرة.
أظهرت التجربة السريرية التي أجراها معهد جارفان الأسترالي، بقيادة الدكتورة جينيفر سنيث والدكتور جيري جرينفيلد، أن الميتفورمين لم يؤثر بشكل مباشر على مقاومة الإنسولين لدى المرضى. ومع ذلك، فقد أدى إلى انخفاض في متوسط جرعة الإنسولين اليومية المستخدمة بنسبة تصل إلى 12% مقارنة بالمجموعة التي تلقت دواءً وهمياً. هذا الانخفاض، على الرغم من أنه ليس كبيراً، يعتبر مهماً جداً للمرضى الذين يعانون من عبء إدارة الإنسولين المستمر.
تحدي الفرضيات الطبية التقليدية
تُعد نتائج هذه الدراسة بمثابة تحدٍ للفرضيات الطبية السائدة حول آلية عمل الميتفورمين. فمنذ عقود، كان يُعتقد أن الدواء يعمل بشكل أساسي عن طريق تحسين حساسية الجسم للإنسولين. لكن الدراسة تشير إلى أن هناك آليات أخرى، ربما أكثر تعقيداً، تلعب دوراً في تأثيره على مرضى السكري من النوع الأول.
ويعتقد الباحثون أن الميتفورمين قد يؤثر على الجهاز الهضمي، وتحديداً على تركيبة بكتيريا الأمعاء، المعروفة باسم الميكروبيوم. وقد تكون التغييرات في الميكروبيوم مسؤولة عن تقليل الحاجة إلى الإنسولين. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام أبحاث جديدة حول العلاقة بين الميكروبيوم والسكري.
يُذكر أن حوالي 13 ألف أسترالي يستخدمون الميتفورمين حالياً لعلاج السكري من النوع الأول، على الرغم من عدم وجود توصيات رسمية بذلك. وقد ساهمت هذه الدراسة في تسليط الضوء على الحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتقييم فعالية وسلامة هذا الدواء في هذه الفئة من المرضى.
الآثار المترتبة على إدارة مرض السكري
يعتبر السكري من النوع الأول حالة مناعية ذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين. وهذا يتطلب من المرضى الاعتماد على الإنسولين الخارجي مدى الحياة للحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن المعدل الطبيعي. إدارة السكري تتطلب اتخاذ قرارات متعددة يومياً، مما قد يكون مرهقاً جسدياً ونفسياً للمرضى.
إن القدرة على تقليل جرعات الإنسولين، حتى بنسبة صغيرة، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على جودة حياة المرضى. فهي تقلل من العبء النفسي والجسدي المرتبط بتنظيم الجلوكوز، وتقلل من خطر حدوث مضاعفات صحية، مثل أمراض القلب. بالإضافة إلى ذلك، قد يساهم تقليل الاعتماد على الإنسولين في تحسين التحكم في الوزن وتقليل خطر الإصابة بأمراض أخرى.
أشارت الدكتورة سنيث إلى أن الإنسولين، على الرغم من كونه علاجاً منقذاً للحياة، يمثل عبئاً كبيراً على المرضى. وأكدت أن أي وسيلة آمنة لتقليل كمية الإنسولين المستخدمة، دون الإضرار بتنظيم السكر، تعتبر تقدماً مهماً للغاية.
الخطوة التالية في هذه الأبحاث هي فهم الآلية الدقيقة التي يعمل بها الميتفورمين في مرضى السكري من النوع الأول. سيقوم الباحثون بدراسة كيفية تأثير الدواء على الميكروبيوم، وإجراء المزيد من التجارب السريرية لتقييم فعاليته وسلامته على نطاق أوسع. من المتوقع أن تستغرق هذه الأبحاث عدة سنوات، ولكنها قد تؤدي إلى تطوير علاجات جديدة ومبتكرة لمرض السكري من النوع الأول.










