يبدو أن أيام مطاردة حيوانات الراكون قد أصبحت معدودة. فقد كشفت دراسة جديدة أجريت حديثًا عن ظهور علامات مبكرة على تدجين هذه الحيوانات التي تعيش في المدن، الأمر الذي يجعلها أكثر جاذبية للبشر. وتثير هذه النتائج تساؤلات حول مستقبل هذه الكائنات الذكية وتفاعلها مع البيئة الحضرية، مع التركيز على عملية تدجين حيوانات الراكون.
تأثير البيئة الحضرية على تدجين حيوانات الراكون
تهدف الدراسة، التي نشرت في مجلة Frontiers in Zoology، إلى تحديد ما إذا كانت الحياة في البيئات الحضرية يمكن أن تؤدي إلى تسريع عمليات التدجين في الحيوانات التي لم تتم تربيتها منزليًا في السابق. وقالت رافاييلا ليش، عالمة الحيوان المشاركة في الدراسة بجامعة أركنساس ليتل روك، إنها أرادت معرفة ما إذا كان مجرد تواجد حيوانات الراكون بالقرب من البشر يمكن أن يؤدي إلى تغييرات تطورية.
وفقًا لليش، غالبًا ما تتضمن العلامات الجسدية لتدجين الأنواع تقصير شكل الأنف، واتخاذ الأذنين وضعًا منخفضًا أو مرتخيًا، وظهور بقع بيضاء، وتقليل الاستجابة للخوف تجاه البشر. هذه الصفات شائعة بين الحيوانات الأليفة المنزلية، مثل الكلاب والقطط.
تحليل الصور يكشف عن تغيرات في شكل الأنف
قام الباحثون بتحليل الصور التي تم تحميلها على تطبيق iNaturalist، وهو تطبيق علمي مواطن للهواتف الذكية. واكتشفوا أن حيوانات الراكون في المناطق الحضرية لديها أنوف أقصر من تلك الموجودة في المناطق الريفية. وتشير الدراسة إلى أن هذه الاختلافات قد تكون إحدى السمات المميزة لـ “متلازمة التدجين”.
وتبين أن أنوف حيوانات الراكون في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية كانت أقصر بنسبة 3.5٪ تقريبًا من تلك الموجودة في المناطق الريفية. ويرجع ذلك إلى أن القمامة تشكل حافزًا أساسيًا لتقبل هذه الحيوانات للتواجد البشري، فهي تضمن لها مصدر غذاء ثابتًا.
يبدأ التدجين عندما تتكيف الحيوانات مع البيئات الجديدة التي يخلقها البشر، وبالنسبة لحيوانات الراكون، فإن ذلك يعني البحث عن الطعام في القمامة. وتؤكد ليش أن القمامة هي “المحفز” الرئيسي لهذا التكيف، حيث أن “كل ما يتعين على حيوانات الراكون فعله هو تحمل وجودنا، وعدم أن تكون عدوانية، ثم يمكنها التهام أي شيء نرميه بعيدًا”. وهي مقارنة بطريقة تصرف القطط، التي تتسامح مع مداعباتنا حتى يحين وقت التغذية.
وتقول الدراسة أن الحيوانات المدجنة تميل إلى أن تصبح أقل عدوانية تجاه البشر بمرور الوقت، حيث تتطور علاقة يقوم فيها الناس بتوفير الغذاء والمأوى مقابل الحصول على خدمات أو مجرد الرفقة. وهذا التطور يتوازى مع مفاهيم سلوك الحيوان وتكيفه مع البيئة.
في عام 2014، اقترح العلماء أن الطفرات في الخلايا الجذعية أثناء نمو الحيوان يمكن أن تؤدي إلى هذه التغييرات في سمات “متلازمة التدجين”. وقد دعمت هذه النتائج الجديدة هذه الفرضية.
ويرى الباحثون أن قصر شكل الأنف وتقليل الاستجابة للخوف التي شوهدت في حيوانات الراكون الحضرية تعكس على الأرجح سمات مرتبطة تشكلت من خلال الانتقاء الطبيعي، مما يمكّن الحيوانات من استغلال البيئات البشرية بشكل أفضل. وهذا يوضح أهمية دراسة التطور الحضري وتأثيره على الحيوانات البرية.
ردود فعل واسعة على الإنترنت
وعلى الرغم من أن هذه النتائج علمية، إلا أنها أثارت حماسًا كبيرًا بين محبي الحيوانات على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة على موقع Instagram. حيث عبّر العديد من المستخدمين عن رغبتهم في تبني حيوانات الراكون كحيوانات أليفة.
وعلق أحد المستخدمين على مقطع فيديو يشرح عملية التدجين قائلًا: “هل يعرف أحد متى سيبدأ توزيع حيوانات الراكون؟ أنا مهتم جدًا بهذا الحيوان الأليف الجديد”.
وأضاف آخر: “حيوان لطيف وذكي مدفوع بالطعام بشكل كامل، مما يجعله سهل التدريب، ولا يمتلك غرائز افتراس خطيرة، يبدو وكأنه الحيوان الأليف المثالي بالفعل”.
وأشار مستخدم آخر إلى أن “تدجين حيوانات الراكون مثلما حدث مع الكلاب والقطط أمر معقول تمامًا. إنها ذكية جدًا”.
وعبر أحدهم عن حماسه قائلًا: “أريدهم أن يكونوا حيواناتنا الأليفة، إنهم رائعة الجمال”.
بينما تساءل آخر: “لدي واحد في علية منزلي الآن. هل يمكن أن ينزل ليصبح حيواني الأليف بدلاً من أن يأكل جدران علية المنزل؟”
في أكتوبر الماضي، بدأت وزارة الصحة في مدينة نيويورك جهودًا لتطعيم حيوانات الراكون ضد داء الكلب بهدف “حماية سكان نيويورك وحيواناتهم الأليفة والحياة البرية في المدينة”، وفقًا لما ذكرته الدكتورة ميشيل مورس، المفوضة الصحية بالوكالة. وتشمل هذه الجهود نثر حزم صغيرة ذات لون بني ورائحة سمك في الشوارع، وهي مصممة خصيصًا لجذب حيوانات الراكون الجائعة. وعندما تتناول حيوانات الراكون السائل الوردي الموجود داخل هذه الحزم، فإنها تبتلع لقاح داء الكلب عن طريق الفم وتصبح محصنة ضد هذا المرض القاتل.
من المتوقع أن تستمر الدراسات حول تدجين حيوانات الراكون في السنوات القادمة، مع التركيز على تحليل التغيرات الجينية والسلوكية لهذه الحيوانات. وستساعد هذه الدراسات في فهم أفضل لعمليات التدجين وتأثيرها على التنوع البيولوجي. ومن المهم مراقبة تطور هذه الظاهرة وتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بزيادة تفاعل حيوانات الراكون مع البشر.










