22/7/2025–|آخر تحديث: 16:18 (توقيت مكة)
حذّر الدكتور ماس غلبرت، مسؤول الفريق الطبي النرويجي في قطاع غزة، من أن نصف مليون فلسطيني في القطاع يواجهون خطر المجاعة الكارثية، مؤكدا أن ما يجري هو عملية تجويع ممنهجة تُشكّل جزءا من حملة إبادة مدروسة تنفذها إسرائيل بدعم أميركي مباشر.
وفي مداخلة مع قناة الجزيرة، قال غلبرت إن الوضع في قطاع غزة بلغ مرحلة غير مسبوقة من التدهور، إذ تشهد المستشفيات انهيارا كاملا، في ظل غياب الغذاء والماء والدواء منذ 142 يوما متتاليا، وسط حصار كامل فُرض على السكان من دون استثناء.
وأشار إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت مؤخرا عن وفاة 23 فلسطينيا جراء الجوع خلال 48 ساعة فقط، في حين يُتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل مأساوي ومتسارع خلال الأيام المقبلة، لا سيما أن نصف مليون إنسان يعيشون في مرحلة الجوع الكارثي، وفقا لتصنيف الأمم المتحدة.
وشدّد على أن ما يحدث ليس نتيجة كوارث طبيعية بل بفعل فاعل، قائلا: “هذا تجويع من صنع بشري، وهو جزء من حملة إبادة إسرائيلية”، وأضاف أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أخلاقية فورية لوقف هذه الكارثة، مشددا على ضرورة فتح القطاع فورا أمام المساعدات الغذائية والدوائية.
وأكد أن تأمين المستشفيات وتوفير فرق تغذية متخصصة بات ضرورة عاجلة، محذرا من أن الجوع المزمن قد يودي بحياة المرضى حتى في حال تلقّيهم الطعام، بسبب ما يعرف بمتلازمة إعادة التغذية، وهي حالة طبية تهدد حياة من يعانون من سوء تغذية حاد عند استئناف تناول الطعام.
تخاذل المجتمع الدولي
ورغم هذا الواقع المروّع، عبّر غلبرت عن استيائه من موقف المجتمع الدولي الذي لم يعلن حتى الآن أن غزة تعيش في حالة مجاعة، متسائلا عن سبب التأخر في الاعتراف رغم توفر كل المؤشرات والمعلومات والتقارير الميدانية والاستخباراتية الأممية.
وأضاف أن الأمم المتحدة أكدت في تقرير حديث من “أوتشا” أن نحو 470 ألف فلسطيني وصلوا مرحلة التصنيف “آي بي سي 5” (IPC5)، وهو أعلى درجات انعدام الأمن الغذائي ويُعرّف رسميا بـ”الجوع الكارثي”، مشيرا إلى أن العالم كله يعلم بالأرقام والحقائق لكنه لا يتحرك.
وحمّل الدول الأوروبية مسؤولية التقاعس، مشيرا إلى أن الحل بسيط ومعروف: وقف فوري لإطلاق النار، وفتح القطاع أمام الغذاء والدواء تحت إشراف الأمم المتحدة، وليس عبر قنوات تسيطر عليها إسرائيل التي تستخدم الغذاء كسلاح ضد المدنيين.
وفي لهجة غاضبة، دعا إلى فرض عقوبات اقتصادية فورية على إسرائيل، وسحب الاستثمارات ووقف كل أشكال التعاون معها، مؤكدا أن هذه الإجراءات هي السبيل الوحيد لوقف سياسة التجويع، لأن إسرائيل -حسب وصفه- لا تكترث للكلمات وإنما تفهم فقط لغة الضغط والمقاطعة.
ولفت إلى أن غياب المساءلة والعقاب يشجع إسرائيل على مواصلة سياساتها من دون رادع، محذرا من أن استمرار هذا الصمت الدولي يُعد وصمة عار سوداء في تاريخ الدول الغربية، التي وصف موقفها بأنه “تواطؤ في هولوكوست العصر الحديث”، ومقارنة ما يجري بـ”معسكر اعتقال يتم فيه تجويع السكان عمدا”.
البيانات لا تكفي
وعن البيان الصادر مؤخرا عن اجتماع 26 دولة بقيادة بريطانيا، قال غلبرت إنه رغم أنه يبدو خطوة رمزية، فإنه “جاء متأخرا للغاية وبجهد أقل بكثير من المطلوب”، مضيفا أن الوقت لم يعد يتسع للبيانات والإدانات، بل بات يحتاج لتحرك ملموس وجاد.
وأكد أن وقف شحنات السلاح وفرض حصار اقتصادي على إسرائيل وقطع العلاقات التجارية هي الإجراءات الوحيدة الكفيلة بوقف آلة الحرب والتجويع، داعيا إلى مقاطعة شاملة تتصدرها أوروبا وتحمل الولايات المتحدة جزءا من المسؤولية عن هذه الكارثة الإنسانية.
واستغرب الصمت الغربي تجاه الدور الأميركي، متسائلا عن سبب تردد العواصم الأوروبية في توجيه الانتقاد إلى واشنطن رغم معرفتهم بأن الدعم الأميركي السياسي والعسكري لإسرائيل هو ما يتيح استمرار سياسة الحصار والتجويع بلا مساءلة.
وأكد الطبيب النرويجي أن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل كارثة أخلاقية عالمية، ستبقى لعقود وصمة على جبين من التزموا الصمت أو اكتفوا بالإدانة من دون فعل حقيقي.
ومنذ مارس/آذار الماضي، أغلقت إسرائيل كافة المعابر بشكل شبه تام، مما فاقم الأزمة الغذائية والإنسانية. وشهد الأسبوع الأخير مشاهد مروعة، إذ انهار عدد من الفلسطينيين في الشوارع بسبب الجوع، وسط عجز المؤسسات المحلية والدولية عن التصدي للكارثة.
ورغم المطالبات الدولية المتكررة ومناشدات محكمة العدل الدولية لوقف الحرب، تواصل إسرائيل -بدعم أميركي معلن- عملياتها في القطاع. وقد أسفرت الحرب عن استشهاد وإصابة نحو 200 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين، ومجاعة تفتك بالمدنيين في صمت.