تثير الخوارزميات المستخدمة في تحديد أسعار المنتجات والخدمات قلقًا متزايدًا لدى الجهات التنظيمية حول العالم، لا سيما فيما يتعلق باحتمالية التواطؤ الضمني بين الشركات. هذه المسألة، المعروفة باسم تسعير الخوارزميات، أصبحت معقدة بشكل خاص مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في تحديد استراتيجيات التسعير. التحدي يكمن في ضمان المنافسة العادلة في عالم تتجاوز فيه الخوارزميات التدخل البشري المباشر.
يركز النقاش الحالي في الولايات المتحدة وأوروبا على كيفية تنظيم هذه الخوارزميات دون إعاقة الابتكار أو التدخل بشكل غير ضروري في السوق. مؤخرًا، سلطت الأبحاث الضوء على أنه حتى الخوارزميات المصممة لتحقيق أقصى ربح للشركات يمكن أن تؤدي إلى نتائج سلبية للمستهلكين، مما يتطلب نهجًا تنظيميًا دقيقًا.
تحديات تنظيم تسعير الخوارزميات
تقليديًا، اعتمدت السلطات التنظيمية على اكتشاف حالات التواطؤ الصريحة بين الشركات، مثل الاجتماعات السرية لتحديد الأسعار. ومع ذلك، فإن هذه الطريقة غير فعالة عندما يتعلق الأمر بالخوارزميات، التي لا “تشرب مع بعضها البعض” كما ذكر عالم الكمبيوتر آرون روث من جامعة بنسلفانيا، بل تتفاعل من خلال البيانات والإشارات الرقمية. الخوارزميات تتعلم وتتكيف باستمرار، مما يجعل تحديد النوايا التواطؤية أمرًا صعبًا للغاية.
التواطؤ الضمني للخوارزميات
أظهرت دراسة أجريت عام 2019، وذُكرت على نطاق واسع، أن الخوارزميات يمكن أن تتعلم التواطؤ بشكل ضمني من خلال التفاعل في بيئة سوقية محاكاة. في هذه الدراسة، تعلمت نسختان من خوارزمية بسيطة الرد على تخفيضات الأسعار من خلال خفض أسعارهما الخاصة بمقدار كبير وغير متناسب، مما أدى في النهاية إلى ارتفاع الأسعار والحفاظ عليها. هذا السلوك يعكس بشكل أساسي آليات التهديد المتبادل التي غالبًا ما تكون موجودة في حالات التواطؤ بين البشر.
على الرغم من أن هذه الدراسة أجريت في بيئة محاكاة، إلا أنها أثارت مخاوف بشأن إمكانية حدوث سيناريوهات مماثلة في الأسواق الحقيقية. الخبراء يناقشون الآن ما إذا كان من الممكن تصميم خوارزميات غير قادرة على إرسال تهديدات متبادلة، وبالتالي منع التواطؤ الضمني.
حدود الخوارزميات “البريئة”
ومع ذلك، تشير أبحاث حديثة، بقيادة آرون روث وزميلته ناتالي كولينا، إلى أن مجرد استخدام خوارزميات “بريئة” – تلك المصممة ببساطة لتحسين الربح – قد لا يكون كافيًا لضمان الأسعار العادلة. أظهرت الدراسة أنه حتى هذه الخوارزميات يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بطرق تبدو معقولة من الخارج، لكنها تضر بالمستهلكين في النهاية. يشير هذا إلى أن المشكلة أعمق من مجرد التواطؤ الصريح أو الضمني، بل تتعلق بالتصميم الأساسي لخوارزميات التسعير ذاتها.
التأثير على قطاعات مختلفة
لا يقتصر تأثير تسعير الخوارزميات على قطاع معين. فهو يمتد ليشمل مجموعة واسعة من الصناعات، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، وشركات الطيران، والفنادق، وحتى قطاع الطاقة. في التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، تستخدم الشركات مثل أمازون خوارزميات معقدة لتعديل الأسعار آلاف المرات في اليوم استجابة لتغيرات الطلب والمنافسة. هذا المستوى من الديناميكية في الأسعار يمكن أن يجعل من الصعب على المستهلكين تحديد ما إذا كانوا يحصلون على صفقة عادلة.
يشكل التسعير الديناميكي، وهو أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تحديًا خاصًا. في حين أنه يمكن أن يفيد كل من الشركات والمستهلكين من خلال مواءمة الأسعار مع ظروف السوق، إلا أنه يمكن استخدامه أيضًا لاستغلال المستهلكين من خلال فرض أسعار متميزة عليهم بناءً على بياناتهم الشخصية أو سلوكهم في التصفح. هذا يثير تساؤلات حول العدالة والشفافية في التسعير.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز مفهوم التمييز في الأسعار كأحد المخاوف الرئيسية. ومن خلال تحليل البيانات، يمكن للخوارزميات تحديد العملاء المستعدين لدفع المزيد والتسعير وفقًا لذلك، مما يؤدي إلى عدم المساواة ويثير مخاوف بشأن الممارسات الاحتكارية.
تدرس السلطات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي بشكل خاص هذه القضايا، مع التركيز على الحاجة إلى زيادة الشفافية والمساءلة في استخدام خوارزميات التسعير. تجري حاليًا مراجعة لقانون المنافسة في الاتحاد الأوروبي بهدف معالجة التحديات الجديدة التي تطرحها هذه التقنيات.
الخطوات التالية والمستقبل
لا يزال الطريق أمام تنظيم تسعير الخوارزميات مليئًا بالتحديات. يتطلب الأمر فهمًا عميقًا لكيفية عمل هذه الخوارزميات، بالإضافة إلى تطوير أدوات وتقنيات جديدة لرصدها وتقييم تأثيرها. من المتوقع أن تصدر الهيئات التنظيمية قريبًا إرشادات أولية حول الممارسات المقبولة في استخدام خوارزميات التسعير.
في غضون 12-18 شهرًا القادمة، من المرجح أن نرى المزيد من الدراسات والأبحاث التي تبحث في تأثير هذه التقنيات على الأسواق والمستهلكين. ستراقب الجهات التنظيمية عن كثب هذه التطورات لتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى قوانين ولوائح جديدة. يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار وحماية المستهلكين في هذا المشهد المتغير باستمرار.










