يشهد الحدود الشمالية لإسرائيل إعادة بناء ترسانة عسكرية لحزب الله المدعوم من إيران، مما يثير مخاوف من اندلاع حرب جديدة بين الطرفين. تأتي هذه التطورات بعد عام على الوساطة الأمريكية التي أدت إلى وقف إطلاق النار، لكن التوترات لا تزال مرتفعة. ويزعم خبراء أمنيون أن حزب الله ينتهك بشكل واضح اتفاق وقف إطلاق النار، ويستأنف نشاطه العسكري في المنطقة.
حزب الله وإعادة التسلح على الحدود الإسرائيلية
أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، نداف شوشاني، يوم الأربعاء، بأن حزب الله انخرط في “انتهاك صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار”، مشيرًا إلى أن الحزب يعمل على إعادة تأسيس أصوله في قرية بيت ليف. وتأتي هذه الاتهامات في ظل تبادل إطلاق النار بشكل متقطع بين الطرفين، وقيام إسرائيل بشن غارات جوية شبه يومية على أهداف داخل لبنان.
ينتقد البعض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) لعدم وفائها بولايتها في نزع سلاح حزب الله، بالإضافة إلى بطء تحرك الجيش اللبناني. ويؤكد المراقبون أن هذا الوضع يسمح باستمرار الأنشطة العسكرية للحزب، مما يدفع إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات مضادة.
التمويل الإيراني ودعم القدرات العسكرية
كشفت تقارير حديثة أن إيران قامت بتهريب ما يقرب من مليار دولار إلى حزب الله هذا العام، على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة. ووفقًا لمسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية، فإن هذا التمويل يساعد الحزب على تعزيز قدراته العسكرية وتوسيع نفوذه في المنطقة. وتشير التقديرات إلى أن حزب الله يمتلك حوالي 50 ألف مقاتل و50 ألف من الاحتياطيين.
تؤكد ساريت زهافي، خبيرة إسرائيلية بارزة في شؤون حزب الله من مركز ألما للأبحاث والتعليم، أن الحزب لا يمتلك حاليًا القدرة على تنفيذ غزو واسع النطاق لإسرائيل كما كان مخططًا له قبل 7 أكتوبر 2023. ومع ذلك، فهي تعتقد أن الحزب قادر على إرسال عدد محدود من المقاتلين، وتحذر من أن استعادة قدراته الكاملة قد تستغرق سنوات.
تطوير القدرات الصاروخية والطائرات المسيرة
تشير التقارير إلى أن حزب الله يركز بشكل متزايد على تطوير قدراته الصاروخية وتصنيع الصواريخ داخل لبنان، وذلك بسبب الصعوبات المتزايدة في تهريب الأسلحة من سوريا. وتشير زهافي إلى أن غالبية الهجمات الإسرائيلية تستهدف مواقع جنوب نهر الليطاني، حيث يستثمر الحزب بكثافة في الطائرات المسيرة والصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون وصواريخ مضادة للدبابات.
في ألمانيا، بدأت محاكمة رجل يُزعم أنه عضو في حزب الله، بتهمة إدارة “برنامج واسع النطاق للطائرات المسيرة”. ووفقًا للمكتب الفيدرالي للادعاء العام الألماني، انضم المتهم إلى الحزب قبل أكثر من 10 سنوات، وعمل كـ “مشغل أجنبي” لبرنامج الطائرات المسيرة التابع له في إسبانيا وألمانيا عام 2022.
استراتيجية إسرائيل الدفاعية والتوترات المستمرة
تعتمد إسرائيل على استراتيجية دفاعية تركز على وجود مواقع عسكرية متقدمة في سوريا ولبنان، بهدف مراقبة الأنشطة العسكرية لحزب الله والاستجابة السريعة لأي تهديدات. وتقول زهافي إن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى منع المدنيين من الوقوف في خط المواجهة، ويحافظ على سيطرته على التلال في إسرائيل ولبنان لضمان الرؤية والاستجابة السريعة.
يؤكد إيدي كوهين، باحث إسرائيلي من أصل لبناني متخصص في شؤون حزب الله، أن الحزب لا يزال يحصل على أسلحة من سوريا وإيران، وأن هناك محاولات لإرسال الأسلحة عبر الطائرات الإيرانية المدنية. ويشير إلى أن هناك ضغوطًا كبيرة على حزب الله، وأن إسرائيل تقتل عددًا من عناصره بشكل أسبوعي.
في المقابل، يرى كوهين أن حزب الله لن يتخلى عن سلاحه، وأن هذا قد يؤدي إلى اندلاع حرب واسعة النطاق. ويضيف أن الحزب يعتبر نفسه بمثابة الدولة بالنسبة للمجتمع الشيعي في لبنان، وأن هذا يعزز من موقفه المتصلب.
تشير تقارير إلى أن لبنان تمر بمرحلة من “الدولة الفاشلة” بسبب “حكومتها المشلولة”، مما يمنح حزب الله مساحة أكبر للعمل والتأثير. ويواجه الجيش اللبناني تحديات كبيرة، حيث أن رواتب الجنود أقل بكثير من رواتب مقاتلي حزب الله، كما أن معداتهم أقل تطورًا.
من المتوقع أن تستمر التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في التصاعد، مع استمرار حزب الله في إعادة بناء ترسانته العسكرية. وستراقب إسرائيل عن كثب الأنشطة العسكرية للحزب، وقد تشن المزيد من الغارات الجوية على أهدافه في لبنان. في الوقت نفسه، ستواصل إيران تقديم الدعم المالي والعسكري لحزب الله، مما يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الجهود الدبلوماسية ستنجح في احتواء التوترات ومنع اندلاع حرب جديدة.

