نجح علماء صينيون في تطوير نموذج أولي لجهاز قادر على إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة، وهو ما كانت تخشاه واشنطن وتسعى لمنعه لسنوات. يأتي هذا الإنجاز من داخل مختبر شديد الحراسة في مدينة شنتشن، ويشير إلى تقدم كبير في سعي الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه التكنولوجيا الحيوية التي تدعم الذكاء الاصطناعي، والهواتف الذكية، وحتى الصناعات العسكرية.
الصين تتحدى الهيمنة الغربية في صناعة أشباه الموصلات
وفقًا لوكالة رويترز، اكتمل النموذج الأولي في أوائل عام 2025 ويخضع حاليًا للاختبار. يغطي الجهاز مساحة شاسعة، تقارب مساحة مصنع كامل، ويعتمد على خبرات مهندسين سابقين في شركة ASML الهولندية، الرائدة عالميًا في مجال تصنيع معدات أشباه الموصلات. قام هؤلاء المهندسون بتحليل وتفكيك آلات الليثوغرافيا بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV) التابعة لشركة ASML، ثم إعادة تصميمها وبنائها.
تعتبر تقنية الليثوغرافيا، أو الطباعة الحجرية، عملية أساسية في إنتاج الدوائر المتكاملة والرقائق الإلكترونية. وتطورت هذه التقنية من فن تقليدي إلى عملية دقيقة تستخدم الضوء لنقش الدوائر المعقدة على رقائق السيليكون. آلات EUV تحديدًا تستخدم أشعة فوق بنفسجية متطرفة لإنشاء دوائر أصغر حجمًا، مما يزيد من قوة وكفاءة الرقائق، وهي قدرة تسيطر عليها حاليًا شركات الدول الغربية.
أساليب سرية وتوظيف متخصصين
أشار المصدران المطلعان على المشروع إلى أن الآلة الصينية حاليًا قادرة على إنتاج الضوء فوق البنفسجي المتطرف، لكنها لم تتمكن بعد من إنتاج رقائق عاملة بالكامل. ومع ذلك، يمثل هذا التقدم خطوة مهمة، خاصة وأن الرئيس التنفيذي لشركة ASML، كريستوف فوكيه، كان قد صرح سابقًا بأن الصين تحتاج إلى “سنوات عديدة جدًا” لتطوير هذه التكنولوجيا.
تم تنفيذ المشروع بسرية تامة على مدار ست سنوات، كجزء من مبادرة حكومية أوسع نطاقًا تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال أشباه الموصلات. ووفقًا للمصادر، قامت شركة هواوي الصينية بدور محوري في تنسيق شبكة واسعة من الشركات والمعاهد البحثية الحكومية، بمشاركة آلاف المهندسين المتخصصين.
ولضمان السرية، تم توظيف بعض المهندسين من ASML الصينيين ببطاقات هوية مزيفة، وتم الطلب منهم استخدام هذه الأسماء المستعارة في العمل. وتعتبر هذه الإجراءات جزءًا من خطة أمنية وطنية تهدف إلى حماية التكنولوجيا الحساسة.
قيود التصدير وتأثيرها
جاء هذا الإنجاز الصيني في ظل قيود تصدير مشددة فرضتها الولايات المتحدة على التكنولوجيا المتقدمة لأشباه الموصلات، بهدف إبطاء تقدم الصين في هذا المجال. بدأت الولايات المتحدة في عام 2018 بالضغط على هولندا لمنع شركة ASML من بيع أنظمة EUV للصين، وتوسعت هذه القيود في عام 2022 لتشمل أيضًا آلات الليثوغرافيا بالأشعة فوق البنفسجية العميقة (DUV). تعتبر هذه القيود جزءًا من “حرب تكنولوجية باردة” أشعلها التنافس بين القوى العظمى.
هذه القيود، بحسب رويترز، قد أبطأت بالفعل تقدم الصين في مجال الرقائق الإلكترونية لسنوات، ولكنها أيضًا حفزت الابتكار المحلي. استطاع الصينيون الاستفادة من قطع الغيار المتوفرة في الأسواق الثانوية لآلات ASML القديمة، مما سمح لهم ببناء نموذجهم الأولي.
المستقبل: نحو الاكتفاء الذاتي الكامل
تعتبر هذه الخطوة بمثابة تحدٍ مباشر للهيمنة الغربية في صناعة أشباه الموصلات، حيث تسعى الصين جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية. تهدف الحكومة الصينية إلى إنتاج شرائح عاملة باستخدام هذا النموذج الأولي بحلول عام 2028، ولكن المحللون يرون أن الهدف الأكثر واقعية هو عام 2030. في هذه المرحلة، قد تتمكن الصين من معادلة الغرب في قدرات إنتاج الرقائق، مما يقلل بشكل كبير من الفجوة التكنولوجية.
تستمر الولايات المتحدة في مراجعة سياسات التصدير الخاصة بها، بهدف سد الثغرات ومنع وصول الصين إلى التكنولوجيا المتقدمة. وتعمل هولندا أيضًا على تطوير سياسات أكثر صرامة لحماية التكنولوجيا الحساسة من أي سوء استخدام محتمل. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الإجراءات ستنجح في إعاقة أو وقف تقدم الصين في مجال أشباه الموصلات، وما إذا كانت الصين ستتمكن من تجاوز هذه العقبات وتحقيق هدفها النهائي المتمثل في الاكتفاء الذاتي الكامل.










