مرت ستة أشهر على انتخاب قداسة البابا لاوُن الرابع عشر، لتتضح ملامح رؤيته الكنسية، والإنسانية من خلال تعاليمه، وكلماته، التي رسمت ملامح كنيسة موحّدة، منفتحة، وشاهدة للسلام في عالمٍ أنهكته الكراهية، والعنف.
منذ إطلالته الأولى في الثامن من أيار ماضي من شرفة بازيليك القديس بطرس، وجّه البابا الجديد رسالته للعالم بكلماتٍ بسيطة عميقة: “السلام لجميعكم! سلام المسيح القائم من بين الأموات، سلامٌ وديعٌ ومثابر، يُجرّد من السلاح ولا يعتمد على القوة. كلمات عبّرت عن جوهر رسالته البابوية: أن تكون الكنيسة جسرًا للحوار، وخميرةً للوحدة والأخوّة، لا تتّكئ على الأقوياء، ولا تحوّل الإيمان إلى تسويقٍ ديني، بل تشهد للمسيح عبر المحبة الفاعلة.
وفي قداس افتتاح حبريّته يوم 18 مايو 2025، أكّد البابا لاوُن الرابع عشر أن الكنيسة مدعوّة لتكون علامة وحدةٍ في عالمٍ تمزّقه الانقسامات، قائلًا: نريد أن نكون في وسط هذه العجينة خميرةً صغيرةً للوحدة، والشركة، والأخوّة.
وشدّد بابا الكنيسة الكاثوليكية على أن السلطة في الكنيسة لا تُمارس بالتسلّط، بل بالبذل، والتواضع، وأن على الراعي أن يختفي لكي يبقى المسيح.
معاني الإيمان الحقيقي
وفي سلسلة عظاته وكلماته خلال الأشهر الماضية، أضاء الأب الأقدس على معاني الإيمان الحقيقي الذي لا يقتصر على المعرفة، أو المشاركة الطقسية، بل يتجسّد في أعمال الرحمة، وخدمة الفقراء، والالتزام بالخير العام. إذ قال في إحدى عظاته: إيماننا لا يكون حقيقيًا إلا حين يعانق حياتنا بأسرها، ويجعلنا نخاطر في المحبّة على مثال يسوع.
كذلك، وجّه دعواتٍ متكرّرة إلى نزع السلاح ونشر ثقافة اللاعنف، مؤكدًا أن ما يجب نزع سلاحه أولاً هو القلب، لأنّ من لا يحمل السلام في داخله لا يستطيع أن يزرعه في الآخرين. وهاجم في أكثر من مناسبة سباق التسلّح العالمي، واصفًا تجارة الأسلحة بأنها تجارة الموت التي تسرق خبز الفقراء لبناء مصانع الدمار”
وفي إرشاده الرسولي الأول الصادر في التاسع من أكتوبر 2025، وضع الحبر الأعظم رؤيةً لاهوتية عميقة لمحبّة الفقراء، معتبرًا أنّ خدمة المتألمين ليست مجرّد عمل إحسان، بل لقاءٌ مع وجه الله في من لا قوّة لهم، مؤكدًا أن محبّة الفقراء هي مقياس العبادة الحقيقية.
وحذّر قداسة البابا في لقائه مع الحركات الشعبية من اتّساع الهوة الاجتماعية، قائلًا: الإقصاء هو الوجه الجديد للظلم الاجتماعي، والكنيسة لا يمكن أن تصمت أمام أنظمةٍ تفرض الفقر، وتغذّي الكراهية.
وفي يوبيل العاملين في مجال العدالة، دعا الأب الأقدس إلى مواجهة واقع الشعوب التي تجوع وتظمأ إلى العدالة، مؤكدًا أن الدولة التي لا عدالة فيها ليست دولة.
أما عن المهاجرين، فقد دعا عظيم الأحبار إلى استقبالهم بإنسانية، مشددًا في عظته بيوبيل العالم الإرسالي على أن المهاجرين ليسوا غرباء، بل إخوةٌ يحملون وجوه المسيح المتألّم، مندّدًا بالإجراءات اللاإنسانية التي تُتَّخذ ضدهم في بعض الدول.
وفي ختام حديثه في الصلاة المريمية من أجل السلام في أكتوبر 2025، لخّص بابا الكنيسة الكاثوليكية رسالته للعالم بكلماتٍ مؤثرة: اغمد سيفك، تجرّؤوا على نزع السلاح! لا يمكننا أن نقتل من أجل أيّ فكرة، أو إيمان، أو سياسة، لأنّ السلام يبدأ من القلب.
وبهذه الروح، يواصل قداسة البابا لاوُن الرابع عشر قيادة الكنيسة في زمنٍ يعطش إلى الأمل، ليكون بابا السلام، والرحمة، والإنسانية، وعلامة رجاءٍ في عالمٍ جريحٍ يبحث عن النور.









