أصدرت المحكمة الجنائية المركزية في لندن حكماً بالسجن لمدة 10 سنوات على ناثان جيل، وهو سياسي بريطاني يميني متشدد، بتهمة قبول رشاوى بهدف التأثير على السياسات المتعلقة بروسيا. وقد أقر جيل بالتهم الموجهة إليه، والتي تتعلق بتلقي أموال مقابل الإدلاء بتصريحات مؤيدة لروسيا خلال فترة عضويته في البرلمان الأوروبي. وتأتي هذه القضية في وقت تزداد فيه المخاوف بشأن التدخل الأجنبي في العمليات السياسية الغربية.
وقعت الأحداث التي أدت إلى إدانة جيل بين ديسمبر 2018 ويوليو 2019، حيث تلقى ما يقدر بنحو 40 ألف جنيه إسترليني (حوالي 53 ألف دولار أمريكي) مقابل خدماته. ووفقًا للتحقيقات، كان جيل يتلقى تعليمات من السياسي الأوكراني السابق أوليج فولوشين، المعروف بتقاربه مع الكرملين، لتشكيل الرأي العام في البرلمان الأوروبي لصالح المصالح الروسية.
الرشوة والبرلمان الأوروبي
أكدت القاضية بوبي تشيما أن جيل “سمح للمال بتشويه حكمه الأخلاقي” في وقت كان من المفترض فيه أن يمثل مصالح ناخبيه بأمانة. وأوضحت أن تلقي الأموال مقابل التأثير في قراراته يمثل خيانة للثقة الممنوحة له كمسؤول منتخب. وتشير الأدلة إلى أن جيل لم يكن يعمل بمفرده، بل كان يسعى إلى حشد دعم إضافي من زملائه في البرلمان الأوروبي.
وكشفت الرسائل المشفرة التي تم العثور عليها في هاتف جيل عن تفاصيل الاتصالات بينه وبين فولوشين، بما في ذلك مناقشات حول التحويلات المالية. كما أظهرت الرسائل جهود جيل لتجنيد أعضاء آخرين في البرلمان الأوروبي لتبني مواقف أكثر تساهلاً تجاه روسيا، خاصة فيما يتعلق بالأحداث في أوكرانيا.
خلفية الأحداث في أوكرانيا
يأتي هذا الحكم في ظل تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، خاصة بعد الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. وقد كانت المملكة المتحدة من بين الدول الأكثر دعماً لأوكرانيا، حيث قدمت مساعدات عسكرية وإنسانية كبيرة. وتشير هذه القضية إلى أن جهود روسيا للتأثير على السياسة الغربية قد بدأت منذ فترة طويلة، وأنها تستهدف مختلف المؤسسات السياسية.
تم إيقاف جيل في مطار مانشستر في سبتمبر 2021 أثناء محاولته السفر إلى روسيا، مما أثار الشكوك حول طبيعة علاقاته. وتم توجيه الاتهام إليه رسمياً في فبراير من هذا العام بعد تحقيق مطول. وتعتبر هذه القضية سابقة خطيرة، حيث تسلط الضوء على المخاطر التي تهدد سلامة المؤسسات الديمقراطية.
وكان جيل عضواً في البرلمان الأوروبي عن حزب استقلال المملكة المتحدة، ثم حزب “بريكست” بقيادة نايجل فاراج. وعلى الرغم من أنه لم يعد عضواً في حزب الإصلاح في المملكة المتحدة، إلا أن القضية أثارت تساؤلات حول علاقات الحزب بالكرملين، خاصة وأن فاراج كان قد أعرب في السابق عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقد دعا زعيم حزب “الديمقراطيين الأحرار” إد دايفي إلى إجراء تحقيق شامل في التدخل الروسي في السياسة البريطانية، وإلى فحص أي روابط أخرى بين الكرملين وحزب الإصلاح. وأشار إلى أن وجود شخص “خائن” على رأس الحزب يثير قلقاً بالغاً بشأن ولاءاته الحقيقية.
تثير هذه القضية تساؤلات حول مدى انتشار مثل هذه الممارسات في المؤسسات السياسية الأخرى، وحول فعالية الإجراءات المتخذة لمكافحة التدخل الأجنبي. كما تسلط الضوء على أهمية الشفافية والمساءلة في العمل السياسي، وعلى ضرورة حماية استقلالية البرلمانات والمؤسسات الديمقراطية.
من المتوقع أن يستمر التحقيق في هذه القضية للكشف عن أي متورطين آخرين، وأن يتم فحص جميع جوانب العلاقة بين جيل وفولوشين. كما من المحتمل أن يتم استدعاء نايجل فاراج للإدلاء بشهادته أمام لجنة برلمانية، وذلك لتوضيح طبيعة علاقته بجيل وأي صلات أخرى قد تكون لديه بالكرملين. وستراقب الأوساط السياسية عن كثب التطورات في هذه القضية، والتي قد يكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل العلاقات بين المملكة المتحدة وروسيا.










