أقر البرلمان الأوروبي، بأغلبية ساحقة، تقريرًا يدعو إلى حماية الأطفال والمراهقين من المخاطر المتزايدة المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يهدف التقرير إلى تقييد وصول الشباب دون سن 16 عامًا إلى منصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع الفيديو، وروبوتات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وذلك في خطوة تهدف إلى حماية صحتهم النفسية وسلامتهم الرقمية. وقد جاءت هذه الموافقة في 26 نوفمبر 2025، في ستراسبورغ.
التقرير، الذي حظي بتأييد 483 صوتًا ومعارضة 92 وامتناع 86، يعكس قلقًا متزايدًا بشأن تأثير هذه المنصات على رفاهية الشباب. يأتي هذا التطور بعد أسبوع واحد فقط من انتقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشركات التكنولوجيا الأمريكية والصينية، واتهامه لها بخلق ثقافة من التحرش والتنمر والتطرف. وشدد ماكرون على أن هذه المنصات لا تعزز حرية التعبير بل تخلق بيئة “برية” تفتقر إلى الرقابة الفعالة.
وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الصحة النفسية للمراهقين
يشير التقرير إلى أن دراسة حديثة كشفت عن أن طفلاً واحدًا من بين أربعة يعاني من “استخدام إشكالي” للهواتف الذكية، وهو ما يعادل الإدمان. ويحذر المشرعون من أن التصاميم التلاعبية، مثل التمرير اللانهائي وتشغيل مقاطع الفيديو تلقائيًا وخوارزميات التوصية المخصصة، تقوض رفاهية الأطفال وتركيزهم ونومهم.
مخاوف بشأن الخوارزميات والتصميمات التلاعبية
يركز التقرير بشكل خاص على تأثير الخوارزميات التي تستهدف المستخدمين الشباب، مما قد يؤدي إلى تعزيز المحتوى الضار أو غير المناسب. بالإضافة إلى ذلك، يثير التصميم التفاعلي للمنصات، المصمم لإبقاء المستخدمين منخرطين لأطول فترة ممكنة، مخاوف بشأن الإدمان وتأثيره على الصحة العقلية.
رحب المشرعون بخطط المفوضية الأوروبية لتطوير تطبيق للتحقق من العمر على مستوى الاتحاد الأوروبي وإطلاق المحفظة الرقمية الأوروبية للهوية. ويرون أن المنصات تتحمل مسؤولية ضمان أن خدماتها آمنة ومناسبة للمستخدمين الأصغر سنًا. ويطالب التقرير بتطبيق أكثر صرامة للقواعد الرقمية الحالية، وخاصة قانون الخدمات الرقمية، والذي يتضمن حماية القاصرين على الإنترنت.
في سبتمبر، أعلنت رئيسة المفوضية الألمانية أورسولا فون دير لاين خلال خطابها السنوي عن حالة الاتحاد الأوروبي أن المفوضية ستدرس إمكانية حذو حذو أستراليا في حظر وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين. وأضافت أنها ستكلف لجنة خبراء بتقديم المشورة لها بحلول نهاية العام الحالي بشأن أفضل نهج يمكن اتباعه في أوروبا. وشددت فون دير لاين على أهمية تمكين الآباء وبناء أوروبا أكثر أمانًا للأطفال.
في المقابل، يرى بعض المدافعين عن حرية التعبير المطلقة، مثل إيلون ماسك، مالك شركة تسلا وX (تويتر سابقًا)، أن السلطات الأوروبية تحاول إسكات الأصوات البديلة من خلال التنظيم. كما أن هناك ضغوطًا من الولايات المتحدة لإعادة النظر في تطبيق القواعد الرقمية، حيث زار مسؤول أمريكي بروكسل مؤخرًا وعرض تحسين شروط التجارة مقابل تخفيف القيود. ومع ذلك، رفض الاتحاد الأوروبي حتى الآن تغيير إطاره التنظيمي الأساسي بموجب قانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية، معتبرًا ذلك مسألة تتعلق بالسيادة.
تتزايد الدعوات إلى تعزيز “السيادة الرقمية” لحماية الأطفال والمراهقين والفضاء الديمقراطي، وهو ما أكده الرئيس ماكرون. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن النقاش حول تنظيم منصات التواصل الاجتماعي سيستمر في التصاعد، مع التركيز بشكل خاص على حماية الشباب من المخاطر المحتملة. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بموضوع الأمن الرقمي وضرورة تطوير أدوات للتحقق من العمر وضمان بيئة آمنة على الإنترنت.
من المتوقع أن تقدم لجنة الخبراء التي كُلفت من قبل المفوضية الأوروبية تقريرها بحلول نهاية العام الحالي، مما سيحدد الخطوات التالية التي قد يتخذها الاتحاد الأوروبي. يبقى من غير الواضح ما إذا كان سيتم اعتماد حظر كامل على وسائل التواصل الاجتماعي للمراهقين، أو ما إذا كانت ستتم الموافقة على تدابير تنظيمية أقل صرامة. ومع ذلك، من الواضح أن حماية الشباب على الإنترنت ستظل أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب.










