حذر مسؤولون ألمان وأوروبيون من مغبة التوصل إلى أي اتفاق بشأن الحرب في أوكرانيا يتضمن تنازلات إقليمية لصالح روسيا، وذلك في أعقاب الكشف عن تفاصيل خطة سلام أمريكية قيد المناقشة. وأكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس، يوم الأربعاء، على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجب أن يدرك عدم وجود مخرج “ناجح” من الصراع، في حين شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على ضرورة ضمان أمن حقيقي لأوكرانيا وأوروبا كجزء من أي تسوية مستقبلية. تعتبر خطة السلام في أوكرانيا قضية محورية في الوقت الحالي.
وأشار ميرتس إلى التزام ألمانيا المستمر بدعم أوكرانيا وشعبها، معتبراً أن استخدام الأصول الروسية المجمدة لهذا الغرض أمر وارد. وجاءت تصريحاته خلال كلمة له أمام البرلمان الألماني، حيث رحب بالجهود الأمريكية لإيجاد حل للحرب، لكنه أكد في الوقت ذاته على أهمية مشاركة أوروبا كـ “فاعل مستقل” في تحديد مصيرها. وأضاف أن أوروبا ليست “مجرد لعبة في يد الآخرين”.
الخطة الأمريكية وتداعياتها على السلام في أوكرانيا
تأتي هذه التحذيرات في ظل تداول نقاشات حول مقترحات سلام أمريكية تتضمن تنازل أوكرانيا عن بعض الأراضي مقابل إنهاء القتال والاعتراف الروسي بالسيطرة على المناطق التي يحتلها. وقد أثارت هذه المقترحات انتقادات واسعة داخل أوكرانيا وأوروبا، حيث يرى البعض أنها تمثل مكافأة للعدوان الروسي وتقويضاً لمبدأ سيادة الدول. ويركز الجدل الدائر حالياً على الأبعاد الجيوسياسية لهذه الأراضي المتنازع عليها.
وحذرت فون دير لاين بشكل خاص من خطر “شرعنة وتقنين تقويض الحدود”، مؤكدة أن ذلك قد يفتح الباب أمام المزيد من الصراعات في المستقبل. وأشارت إلى أن أي اتفاق يجب أن يحقق سلاماً “عادلاً ودائماً” يضمن الأمن الإقليمي والدولي. وكررت تأكيدها على أن مستقبل أوكرانيا يكمن داخل الاتحاد الأوروبي، وأن المفوضية الأوروبية مستعدة لتقديم مقترحات قانونية بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة.
الانتقادات الأوروبية للخطة الأمريكية
واجهت الخطة الأمريكية، التي تتكون من 28 بنداً، انتقادات واسعة النطاق، حيث اعتبرت العديد من العواصم الأوروبية أنها “منحازة لمطالب موسكو”. ووفقاً لتقارير صحفية، فقد أثارت الخطة قلقاً بالغاً ليس فقط في أوروبا، بل أيضاً في واشنطن نفسها، حيث عبرت الخارجية الأمريكية ووكالات الاستخبارات عن دهشتها بشأن بعض جوانبها. إضافة إلى ذلك، ظهرت اقتراحات أوروبية بديلة تهدف إلى تحقيق توازن أكبر في المفاوضات.
وقدمت دول أوروبية، يوم الأحد، نسخة معدلة من الخطة الأمريكية للسلام، ترفض القيود المقترحة على القوات المسلحة الأوكرانية، وتدعو إلى تقديم واشنطن ضمانات أمنية قوية لكييف. كما شددت النسخة الأوروبية على ضرورة استخدام الأصول الروسية المجمدة في تمويل جهود إعادة الإعمار في أوكرانيا. هذا بالإضافة إلى ضرورة أن تبدأ المفاوضات حول أي تبادل للأراضي من خطوط التماس الحالية.
تسريبات تكشف عن دور المبعوث الأمريكي
وزادت التسريبات الأخيرة من الشكوك حول مدى انحياز الخطة الأمريكية لواشنطن، وتحديداً بعد الكشف عن مكالمة هاتفية مسربة بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ويوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد قدم ويتكوف خلال المكالمة نصائح لأوشاكوف حول كيفية عرض الخطة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتضمنت النصائح، وفقاً لوسائل الإعلام، الدعوة إلى ترتيب اتصال هاتفي بين ترامب وبوتين قبل زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للبيت الأبيض، واقتراح استخدام اتفاق غزة كنموذج لفتح قنوات الحوار. وقد أثارت هذه التسريبات تساؤلات حول مدى استقلالية العملية التفاوضية، وما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، أم أنها تفضل تحقيق مصالح معينة على حساب أوكرانيا.
من المتوقع أن تستمر المشاورات بشأن مستقبل أوكرانيا في الأيام والأسابيع القادمة، مع تركيز خاص على مسألة الضمانات الأمنية والأبعاد الإقليمية للحل. وسيكون من المهم مراقبة ردود فعل الأطراف المعنية، وخاصة أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتحديد ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي وواقعي، أم أن الصراع سيستمر في التفاقم. يبقى مستقبل مفاوضات السلام في أوكرانيا غير واضحًا، مع وجود العديد من العقبات والتحديات التي يجب التغلب عليها.










