تواجه فنزويلا تصعيدًا في التوترات مع الولايات المتحدة، حيث يدرس البيت الأبيض خيارات للرد على استمرار حكم الرئيس نيكولاس مادورو. وفي خضم هذه الضغوط، يتبنى مادورو خطابًا مفاجئًا يدعو إلى السلام، حتى أنه استخدم عبارات باللغة الإنجليزية في خطاباته، في تحول لافت عن مواقفه السابقة الرافضة للغة والثقافة الغربية. هذا التحول يثير تساؤلات حول مدى تماسك النظام الفنزويلي وقدرته على الصمود في وجه التهديدات الخارجية.
تأتي هذه التطورات بعد أن كثفت واشنطن جهودها للضغط على مادورو، بما في ذلك عرض مكافآت مالية كبيرة مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله، واتهامه بقيادة منظمة إرهابية دولية. وتشير التقارير إلى أن الجيش الأمريكي بدأ بالفعل في عمليات قصف تستهدف زوارق يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات في منطقة البحر الكاريبي.
الوضع في فنزويلا: بين الضغوط الخارجية واستراتيجية الولاء
يعزو مراقبون هذا الصمود إلى استراتيجية يعتمدها مادورو، تقوم على مكافأة الموالين ومعاقبة غير المخلصين داخل النظام. وتشمل هذه المكافآت مناصب رفيعة وثروات طائلة، بينما يواجه المخالفون السجن والتعذيب، خاصةً إذا كانوا من العسكريين.
وبحسب الباحث في مرصد فنزويلا بجامعة روساريو الكولومبية، رونال رودريجيز، فإن “الثورة البوليفارية تتمتع بقدرة مذهلة على التماسك في مواجهة الضغوط الخارجية”. ويضيف أن هذه القدرة على التماسك تعود إلى أيديولوجية “الشافيزمو” التي ورثها مادورو عن الرئيس الراحل هوجو شافيز، والتي تعزز الوحدة والتضامن في وجه التهديدات الخارجية.
الجيش الفنزويلي: حجر الزاوية في سلطة مادورو
يُعد الجيش الفنزويلي ركيزة أساسية في سلطة مادورو، حيث يمنحه الدعم اللازم للحفاظ على موقعه في السلطة. ويسمح النظام للجيش بالانخراط في أنشطة غير قانونية، مثل تهريب المخدرات والنفط، مقابل الحماية من أي محاولة للانقلاب.
وقد أظهرت الأحداث الأخيرة، بما في ذلك رفض طيار مادورو الانضمام إلى مخطط أمريكي للقبض عليه، مدى ولاء الجيش للرئيس الفنزويلي. كما أن استمرار وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز وقادة عسكريين آخرين في دعم مادورو، على الرغم من الضغوط المتزايدة، يؤكد هذا الولاء.
المعارضة الفنزويلية وتوقعاتها بخيبة أمل
كانت المعارضة الفنزويلية، بقيادة ماريا كورينا ماتشادو، تأمل في أن يؤدي الضغط الأمريكي إلى انشقاقات داخل النظام وسقوطه. وكانت المعارضة تعتمد على دعم الجيش للإطاحة بمادورو، خاصةً بعد ظهور أدلة تشير إلى خسارته في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
لكن هذه التوقعات لم تتحقق حتى الآن، مما أثار إحباطًا في صفوف المعارضة. ويرى المحللون أن استراتيجية مادورو في مكافأة الموالين ومعاقبة المخالفين قد ساهمت في منع حدوث أي انشقاقات كبيرة داخل النظام.
تداعيات الضغوط الأمريكية على فنزويلا
تأتي الضغوط الأمريكية المتزايدة على فنزويلا في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية حادة. وقد أدت هذه الأزمة إلى تفاقم الفقر والهجرة الجماعية، حيث اضطر أكثر من 7.7 مليون فنزويلي إلى مغادرة البلاد بحثًا عن حياة أفضل.
على الرغم من هذه الأزمة، تمكن مادورو من الحفاظ على قاعدة دعم قوية، خاصةً بين أنصار “الشافيزمو”. ويعتقد هؤلاء الأنصار أن مادورو هو الشخص المناسب لقيادة البلاد، وأن أي تدخل خارجي سيهدد سيادة فنزويلا.
وتشير التقارير إلى أن مادورو يواصل تعزيز قاعدة أنصاره من خلال تنظيم مسيرات ودعوات للدفاع عن الوطن. وقد شهدت كراكاس في الآونة الأخيرة مسيرات حاشدة لأنصار الحزب الحاكم، تعبر عن دعمهم للرئيس الفنزويلي ورفضهم للتدخل الأمريكي.
في الختام، يظل الوضع في فنزويلا غير مستقر ومليئًا بالغموض. من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على مادورو، لكن مدى نجاح هذه الضغوط يعتمد على قدرة النظام الفنزويلي على الصمود والتغلب على التحديات الداخلية والخارجية. ويجب مراقبة تطورات الوضع العسكري والسياسي والاقتصادي في فنزويلا عن كثب، خاصةً في ظل التهديدات المتزايدة بالتدخل العسكري.










