كشفت دراسة حديثة عن اتجاه متزايد نحو امتداد فترة المراهقة حتى سنوات الثلاثين من العمر، وهو ما يثير تساؤلات حول تعريف النضج ومراحله. صرحت الدكتورة رشا الجندي، أخصائية الطب النفسي، بأن هذه النتائج تعكس فهمًا أعمق لعمليات النمو المعقدة في الدماغ. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في 4 ديسمبر 2025، وتلقي الضوء على التغيرات المستمرة التي تحدث خلال فترة الشباب.
تأتي هذه الدراسة في وقت يشهد فيه المجتمع تغيرات سريعة في الأنماط الاجتماعية والاقتصادية، مما يؤثر على مسارات النمو والتطور لدى الشباب. وتستند الدراسة إلى تحليل بيانات طويلة الأمد لمجموعة متنوعة من المشاركين، مع التركيز على التغيرات في الوظائف الإدراكية والسلوكيات الاجتماعية والعاطفية. تُظهر النتائج أن الوصول إلى النضج الكامل قد يكون عملية أطول وأكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا.
فهم أعمق لـ امتداد فترة المراهقة وتأثيره
توضح الدكتورة رشا الجندي أن نمو الدماغ ليس عملية خطية، بل يمر بمراحل تتفاوت سرعتها. هذا يعني أن بعض المناطق في الدماغ قد تنضج بسرعة، بينما تحتاج مناطق أخرى إلى وقت أطول. وتشير إلى أن هذه العملية تتأثر بعوامل وراثية وبيئية متعددة، بما في ذلك التجارب الحياتية والتعليم والضغوط الاجتماعية.
التطور العصبي المعقد
تعتمد الدراسة على فهم متزايد للبلاستيكية العصبية، وهي قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه من خلال تكوين وصلات عصبية جديدة طوال الحياة. هذا يعني أن الدماغ يظل قابلاً للتغيير والتكيف حتى بعد الوصول إلى مرحلة البلوغ. وبالتالي، فإن السلوكيات والقدرات التي نعتبرها عادةً جزءًا من مرحلة المراهقة، مثل البحث عن الهوية وتجربة المخاطر، قد تستمر في الظهور بدرجات متفاوتة حتى سنوات الثلاثين.
الفروق بين الجنسين
تشير الأبحاث إلى أن الفتيات يميلن إلى النضج بشكل أسرع من الأولاد، سواء من الناحية الجسدية أو العاطفية. وتعزو الدكتورة رشا الجندي هذا الاختلاف إلى عوامل هرمونية وبيولوجية. ومع ذلك، تؤكد أن كلا الجنسين يمران بعملية نمو معقدة تتطلب وقتًا وجهدًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التغيرات الاجتماعية والثقافية تلعب دورًا هامًا في تحديد مسار النضج. على سبيل المثال، فإن زيادة فرص التعليم والتوظيف للنساء قد أدت إلى تأخير الزواج والإنجاب، مما أتاح لهن المزيد من الوقت لاستكشاف هوياتهن وتحقيق أهدافهن. هذا التأخير في الأدوار التقليدية قد يساهم في امتداد فترة المراهقة من الناحية النفسية والاجتماعية.
تتطابق هذه النتائج مع اتجاهات عالمية تشير إلى تأخر الانتقال إلى مرحلة البلوغ في العديد من البلدان. وتعزو العديد من الدراسات هذا التأخير إلى عوامل اقتصادية، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الحصول على وظائف مستقرة. ووفقًا لتقارير منظمة العمل الدولية، يواجه الشباب في جميع أنحاء العالم تحديات متزايدة في العثور على عمل لائق، مما قد يؤدي إلى تأخير استقلالهم المالي والعاطفي.
من المهم ملاحظة أن امتداد فترة المراهقة لا يعني بالضرورة وجود مشكلة أو خلل. بل يمكن اعتباره جزءًا طبيعيًا من عملية النمو والتطور. ومع ذلك، فإنه يتطلب فهمًا أعمق لاحتياجات الشباب وتوفير الدعم اللازم لهم لمواجهة التحديات التي يواجهونها. يشمل هذا الدعم توفير فرص التعليم والتدريب والتوظيف، بالإضافة إلى خدمات الصحة النفسية والاستشارة.
تؤكد الدكتورة رشا الجندي على أهمية النظر إلى كل فرد على أنه فريد من نوعه، وأن مسار النضج يختلف من شخص لآخر. وتشير إلى أن محاولة فرض معايير صارمة للنضج قد تكون ضارة بالشباب، وقد تؤدي إلى شعورهم بالإحباط والقلق. بدلاً من ذلك، يجب التركيز على تعزيز نقاط القوة لديهم ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم وقدراتهم.
تتزايد الأبحاث حول تطور الشباب و الصحة النفسية للشباب، مما يعزز الحاجة إلى فهم أفضل لهذه المرحلة الحرجة من الحياة. وتشير بعض الدراسات إلى أن تأخير النضج قد يكون مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بمشاكل الصحة النفسية، مثل الاكتئاب والقلق. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة ليست سببية، وقد تتأثر بعوامل أخرى.
من المتوقع أن تستمر هذه الدراسة في جمع وتحليل البيانات على مدى السنوات الخمس القادمة، بهدف تحديد العوامل التي تساهم في امتداد فترة المراهقة بشكل أكثر دقة. كما يخطط فريق البحث لإجراء دراسات إضافية لاستكشاف تأثير هذه الظاهرة على العلاقات الاجتماعية والأداء الأكاديمي والمهني. ستكون النتائج النهائية للدراسة متاحة في ديسمبر 2030، ومن المتوقع أن تساهم في تطوير سياسات وبرامج أكثر فعالية لدعم الشباب.
في الختام، تُظهر هذه الدراسة أن مفهوم المراهقة يتجاوز الإطار الزمني التقليدي، وأن عملية النضج تستمر في التطور حتى سنوات الثلاثين. يتطلب هذا الفهم الجديد منظورًا أكثر شمولية لاحتياجات الشباب وتحدياتهم، بالإضافة إلى التزام بتوفير الدعم اللازم لهم لتحقيق إمكاناتهم الكاملة. من الضروري متابعة الأبحاث المستقبلية لفهم هذه الظاهرة بشكل أفضل وتحديد أفضل السبل لمساعدة الشباب على الانتقال بنجاح إلى مرحلة البلوغ.









