أظهرت دراسة حديثة أن برامج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُحدث تحسينًا ملحوظًا في دقة فحص الأجنة للكشف عن عيوب القلب الخلقية، مما يفتح آفاقًا جديدة لتحسين الرعاية الصحية للأمهات والأجنة. وقد أجريت الدراسة على عينات من فحوصات الموجات فوق الصوتية في مراحل مبكرة من الحمل، وأظهرت نتائج واعدة في زيادة معدلات الكشف وتقليل الأخطاء التشخيصية.
أجريت الأبحاث في 11 مركزًا طبيًا في دولتين، وشملت تحليل 200 فحص بالموجات فوق الصوتية للأجنة خلال الثلث الثاني من فترة الحمل. شارك في تقييم هذه الفحوصات 14 طبيبًا متخصصًا، نصفهم في أمراض النساء والولادة والنصف الآخر في حالات الحمل عالية الخطورة، وذلك بمساعدة الذكاء الاصطناعي وأيضًا بدونه، بهدف تحديد العلامات التي قد تشير إلى وجود عيوب قلبية خطيرة.
تحسين الكشف عن عيوب القلب الخلقية باستخدام الذكاء الاصطناعي
أظهرت النتائج، التي نُشرت في دورية أمراض النساء والتوليد، أن استخدام الذكاء الاصطناعي ساهم في زيادة عدد الحالات التي تم رصدها بشكل صحيح، بالإضافة إلى تقليل الوقت اللازم لإجراء الفحص. ارتفع معدل الكشف الإجمالي من 82% إلى أكثر من 97%، مع انخفاض بنسبة 18% في وقت القراءة وتحسن بنسبة 19% في مستوى الثقة في التشخيص.
دور التكنولوجيا في الرعاية الصحية
يأتي هذا التقدم في وقت تشكل فيه عيوب القلب الخلقية تحديًا صحيًا كبيرًا. وفقًا للمعاهد الوطنية للصحة، يصاب حوالي طفل واحد من كل 500 طفل حديث الولادة بعيب خلقي حاد في القلب يتطلب تدخلًا طبيًا عاجلاً. لذلك، فإن أي تحسين في دقة وسرعة الكشف عن هذه العيوب يمكن أن يكون له تأثير كبير على حياة الأطفال وعائلاتهم.
أكد الدكتور أندريه ريباربر من كلية إيكان للطب بمستشفى ماونت سيناي أن هذه الدراسة يجب أن تشجع على إجراء المزيد من الأبحاث حول إمكانات البرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تحسين معدلات الكشف عن هذه العيوب وتقليل التفاوتات في الرعاية الصحية على مستوى العالم. وأضاف أن مستقبل التصوير التشخيصي قبل الولادة يبدو واعدًا مع استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للأطباء.
يعتبر مركز كارنيجي للتصوير للنساء في مدينة نيويورك أول مركز يستخدم أداة برمجية للذكاء الاصطناعي معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بهدف تحسين دقة وكفاءة فحوصات الموجات فوق الصوتية. وقالت الدكتورة جينيفر لام راشلين، المؤلفة المشاركة في الدراسة، إن المساعدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على تحسين الكشف فحسب، بل يمكن أن تساهم أيضًا في تحسين سير العمل وزيادة الكفاءة في المراكز الطبية.
وأضافت الدكتورة راشلين أن هذه التقنية يمكن أن تساعد في توحيد مستوى التشخيص قبل الولادة، خاصة في المراكز التي لا يتوفر فيها خبراء متخصصون في قلب الجنين. وهذا يمثل خطوة مهمة نحو ضمان حصول جميع الأمهات على رعاية صحية عالية الجودة، بغض النظر عن موقعهن الجغرافي أو إمكاناتهن المادية. تعتبر فحوصات الموجات فوق الصوتية جزءًا أساسيًا من الرعاية قبل الولادة، وتساعد في الكشف عن العديد من المشكلات الصحية المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل الضغط على الأطباء، من خلال توفير تحليل أولي للفحوصات وتحديد الحالات التي تتطلب اهتمامًا خاصًا. وهذا يسمح للأطباء بالتركيز على الحالات الأكثر تعقيدًا وتقديم رعاية أكثر تخصيصًا للمرضى. تعتبر التشخيص المبكر لعيب القلب الخلقي أمرًا بالغ الأهمية لضمان حصول الطفل على العلاج المناسب في الوقت المناسب.
من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التطورات في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، وخاصة في مجال التصوير التشخيصي. وتشير التقديرات إلى أن هذه التقنيات ستصبح أكثر انتشارًا وتوفرًا، مما سيساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتقليل التكاليف. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتقييم فعالية هذه التقنيات على المدى الطويل وتحديد أفضل الطرق لاستخدامها في الممارسة السريرية.
في الختام، تمثل هذه الدراسة خطوة مهمة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية قبل الولادة. من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الدراسات لتقييم إمكانات هذه التقنية في تحسين نتائج الحمل والولادة. وينبغي متابعة التطورات في هذا المجال عن كثب، مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الأخلاقية والقانونية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية.









