أصبحت عملية التجنيد في روسيا محركًا رئيسيًا لقدرتها على مواصلة الحرب في أوكرانيا، مما أثار قلقًا متزايدًا في الغرب بشأن استدامة المجهود الحربي الروسي. تشير التقارير إلى أن موسكو نجحت في تحويل الحرب إلى ما يشبه سوق العمل، حيث تُعرض عقود قتالية بمكافآت مغرية، مما يجذب مقاتلين من خلفيات اجتماعية واقتصادية متنوعة، وحتى من ذوي السوابق الجنائية.
وتشير مجلة “بوليتيكو” الأمريكية إلى أن روسيا تعتمد بشكل متزايد على الحوافز المالية لجذب المجندين، حيث تصل المكافآت إلى 50 ألف دولار، وهو مبلغ كبير مقارنة بالمتوسط الشهري للأجور الذي غالبًا ما يقل عن ألف دولار. هذه الحوافز تتجاوز المال لتشمل إعفاءً من الديون، ورعاية للأسر، وضمان التعليم لأبناء الجنود، مما يخلق نظامًا يشجع على التطوع القتالي.
استراتيجية التجنيد الروسية وتأثيرها على الحرب
بدأت روسيا في إعادة هيكلة استراتيجيتها للتعبئة بعد فشل الغزو السريع لأوكرانيا في تحقيق أهدافه. في سبتمبر 2022، أعلنت موسكو عن “تعبئة جزئية” لقوات الاحتياط، وهو ما أثار ردود فعل متباينة داخل المجتمع الروسي. إلى جانب ذلك، فتحت الدولة أبواب السجون أمام المجندين المحتملين، واعدة بالعفو والأجور المجزية.
وتعتمد عملية التجنيد على شبكة واسعة من الحكومات الإقليمية التي تتنافس فيما بينها لجذب المجندين. تعمل هذه الحكومات كمراكز توظيف، حيث تعلن عن الوظائف، وتفحص المتقدمين، وترافقهم خلال إجراءات التسجيل العسكري، مقابل الحصول على عمولات.
الحوافز المالية والاجتماعية
بالإضافة إلى الرواتب والمكافآت، تقدم روسيا حوافز اجتماعية كبيرة للمجندين وعائلاتهم. وتشمل هذه الحوافز إعفاءً من الديون، ورعاية مجانية للأطفال، وضمان مقاعد جامعية للأبناء. هذه الحوافز تجعل الخدمة العسكرية خيارًا جذابًا بشكل خاص للأفراد والأسر الذين يعانون من صعوبات مالية.
وتشير التقارير إلى أن السلطات الروسية قد خففت من القيود المفروضة على المجندين، حيث لم تعد السوابق الجنائية أو الأمراض المزمنة حواجز أمام التجنيد. هذا التغيير في السياسة يعكس الحاجة الملحة لتعويض الخسائر البشرية في أوكرانيا.
ويقول خبراء عسكريون إن هذه الاستراتيجية ساهمت في قدرة روسيا على الحفاظ على زخمها العسكري في أوكرانيا، على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها. وتقدر بعض المصادر أن روسيا فقدت ما يقرب من مليون جندي بين قتيل وجريح منذ بداية الحرب في عام 2022.
“سوق التجنيد” وتأثيره على المجتمع الروسي
أصبح التجنيد في روسيا صناعة مربحة، حيث يشارك فيها عدد كبير من الأفراد والشركات. وتشير “بوليتيكو” إلى قصة زوجين روسيين حولا وكالتهما للتوظيف الصغيرة إلى شركة متخصصة في تجنيد الجنود للمشاركة في الحرب في أوكرانيا. وتعمل هذه الشركة مع أكثر من 10 مجندين، وتساعدهم في إعداد الأوراق والتواصل مع المسؤولين الإقليميين.
ويعتمد العديد من الرجال الروس على التجنيد كطريقة للخروج من الأزمة المالية. وقد انضم “أنطون”، وهو أحد هؤلاء الرجال، إلى الجيش بعد أن فقد وظيفته وتراكمت عليه الديون. وقد حصل على عقد براتب شهري يبلغ 2650 دولارًا ومكافأة توقيع قدرها 2460 دولارًا، وهو ما يمثل تحسنًا كبيرًا في وضعه المالي.
ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن هذه الاستراتيجية تعتمد على استغلال الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع الروسي. ويقولون إن العديد من المجندين يأتون من المناطق الفقيرة، حيث خيارات العمل محدودة، وأنهم قد يكونون عرضة للتلاعب والاستغلال.
مستقبل التجنيد الروسي وتداعياته
في سبتمبر 2024، صدّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على زيادة عدد أفراد القوات المسلحة إلى 1.5 مليون جندي. ويشير هذا القرار إلى أن روسيا تخطط لمواصلة جهودها في التعبئة، وأنها تتوقع استمرار الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة.
وتثير هذه التطورات قلقًا متزايدًا في الغرب، حيث يخشى البعض من أن روسيا قد تسعى إلى توسيع نطاق الحرب في المستقبل. ويقولون إن قدرة روسيا على تعويض خسائرها البشرية تمكنها من الاستمرار في حرب استنزاف طويلة الأمد، وأنها قد تستخدم هذا الزخم لفرض شروطها على أوكرانيا.
من المتوقع أن تستمر روسيا في الاعتماد على الحوافز المالية والاجتماعية لجذب المجندين. ومع ذلك، قد تواجه موسكو صعوبات متزايدة في الحفاظ على هذا المستوى من الدعم، خاصة إذا استمرت الحرب في التسبب في خسائر بشرية واقتصادية كبيرة. ويجب على المراقبين الغربيين متابعة تطورات التجنيد الروسي عن كثب، وتقييم تأثيرها على مسار الحرب في أوكرانيا.










