شهدت المدارس في جميع أنحاء ألمانيا، يوم الجمعة، إضرابات واسعة النطاق من قبل الطلاب احتجاجًا على التعديلات الأخيرة في قانون الخدمة العسكرية. وقد أقر البرلمان الألماني قانونًا جديدًا يلزم جميع الذكور الذين يبلغون 18 عامًا بملء استبيان حول لياقتهم البدنية وإمكانية خدمتهم في الجيش، في إطار جهود لتعزيز الدفاعات الوطنية في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، خاصةً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. هذا التغيير يثير جدلاً واسعًا حول مستقبل التجنيد الإجباري في ألمانيا.
وتشير التقارير إلى أن الاحتجاجات امتدت إلى حوالي 90 بلدة ومدينة ألمانية. في برلين وحدها، تجمع حوالي 800 طالب، وفقًا لبيانات الشرطة، للتعبير عن رفضهم لهذا الإصلاح، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل ملحوظ مع استمرار التظاهرات خلال عطلة نهاية الأسبوع.
الاحتجاجات الطلابية وتأثيرها على النقاش حول الخدمة العسكرية
تأتي هذه الاحتجاجات بقيادة مبادرة “إضراب المدارس ضد التجنيد الإجباري” (Schulstreik gegen Wehrpflicht)، التي عبرت عن استيائها من عدم إشراك الشباب في النقاش حول مستقبل الخدمة العسكرية. وقالت المبادرة في بيان لها إن السياسيين والجيش الألماني يناقشان إعادة فرض التجنيد دون الرجوع إلى آراء الشباب.
في المقابل، سعى وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إلى مخاطبة الطلاب مباشرةً، مؤكدًا في مقطع فيديو عبر إنستجرام على أهمية حرية التعبير في الديمقراطية. وأضاف أن الدفاع عن أسلوب الحياة الديمقراطي يتطلب استعدادًا للدفاع عنه، وأن هذا الاستعداد يجب أن يتحمل مسؤولية الأفراد وليس فقط الدولة.
وكان البرلمان الألماني (البوندستاج) قد صوت بأغلبية 323 صوتًا مقابل 272 لصالح هذا التعديل، مما يجعل ألمانيا أحدث دولة أوروبية تطبق شكلاً معدلاً من الخدمة العسكرية الإلزامية. وقد ناقشت الأحزاب الحاكمة، “الكتلة المحافظة” و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، هذا الإصلاح لعدة أشهر قبل التوصل إلى اتفاق.
تفاصيل القانون الجديد
ينص القانون الجديد على إرسال استبيان إلزامي لجميع الشباب الذكور الذين يبلغون 18 عامًا في ألمانيا بدءًا من يناير 2026. ويهدف الاستبيان إلى تقييم مدى اهتمامهم ورغبتهم في الانضمام إلى القوات المسلحة. أما بالنسبة للإناث، فإن ملء الاستبيان سيكون تطوعيًا.
على الرغم من أن القانون لا ينص على التجنيد الإجباري بشكل مباشر، إلا أنه يشجع على التطوع من خلال تقديم حوافز مالية، مثل راتب شهري ابتدائي قدره 2600 يورو، بزيادة قدرها 450 يورو عن المستوى الحالي، وفقًا لشبكة CNN.
الخلفية الاستراتيجية وتأثير الأزمة الأوكرانية
تأتي هذه الخطوة في ظل بيئة سياسية وأمنية متغيرة، حيث تعهد المستشار الألماني أولاف شولتز بتطوير الجيش الألماني ليصبح “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”. يهدف هذا التعهد إلى تعزيز قدرة ألمانيا على المساهمة في الدفاع عن القارة، وهو ما لاقى ترحيبًا من حلفاء الناتو.
ومع ذلك، يثير هذا التوجه تساؤلات حول كيفية توفير العدد الكافي من الجنود، خاصةً في ظل التحديات التي تواجه ألمانيا في مجال التجنيد. فقد أُلغيت الخدمة العسكرية الإلزامية في ألمانيا عام 2011، مما أدى إلى انخفاض في عدد الجنود المحترفين.
وتسعى ألمانيا حاليًا إلى زيادة عدد قواتها من 180 ألف جندي إلى 260 ألف جندي، وزيادة عدد جنود الاحتياط من 55 ألفًا إلى 200 ألف جندي، وذلك لتحقيق أهداف الناتو الجديدة. ويركز الجيش بشكل خاص على تطوير قدراته في مجال الدفاع الإقليمي.
في حال تدهور الوضع الأمني أو عدم كفاية عدد المتطوعين، يحتفظ البرلمان الألماني بالحق في النظر في فرض شكل من أشكال الخدمة العسكرية الإلزامية. هذا الاحتمال يظل قيد النقاش، ويشكل جزءًا من التحديات التي تواجه الحكومة الألمانية في سعيها لتعزيز الدفاعات الوطنية.
الخطوة التالية المتوقعة هي البدء في إعداد وتنفيذ الاستبيانات الجديدة في يناير 2026، ومراقبة معدلات الاستجابة والاهتمام بالخدمة العسكرية. سيكون من المهم أيضًا متابعة التطورات الجيوسياسية وتقييم تأثيرها على الحاجة إلى زيادة القدرات الدفاعية الألمانية. يبقى مستقبل الخدمة العسكرية في ألمانيا موضوعًا معقدًا يتطلب دراسة متأنية ومناقشة واسعة.










