ينطلق فيلم “يونان” للمخرج أمير فخر الدين في عرضه الأول بالشرق الأوسط ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لينافس على جوائز “اليسر”. الفيلم، الذي يعتبر الجزء الثاني من ثلاثية فخر الدين، يستكشف موضوعات الهوية والاغتراب والبحث عن الذات من خلال قصة رجل يعيش صراعاً داخياً عميقاً، مستلهماً بذلك قصة النبي يونس في التراث الديني.
بعد أربع سنوات من طرح فيلمه الأول “الغريب”، يعود فخر الدين لتقديم رؤية سينمائية جديدة تتناول قضايا تلامس واقع العديد من أبناء الجيل، خاصةً اللاجئين والمهاجرين الذين يعانون من فقدان جذورهم وهويتهم. الفيلم يطرح أسئلة وجودية حول معنى الحياة والغربة، ويقدم تصويراً فنياً معقداً لهذه المشاعر.
“يونان”: رحلة في أعماق الوجود والاغتراب
تدور أحداث فيلم “يونان” حول منير نور الدين، الروائي الذي يعيش في ألمانيا ويعاني من ضيق تنفس نفسي، وليس عضوياً. يجد منير نفسه عالقاً في بداية قصة طفولية لم يتمكن من إكمالها، مما يعكس حالة الجمود الروحي التي يعيشها. يقرر منير القيام برحلة بحرية إلى شبه جزيرة منعزلة، حيث يواجه قراراً مصيرياً: إما إتمام الرواية أو إنهاء حياته.
استلهام قصة النبي يونس
يستمد الفيلم اسمه من قصة النبي يونس (يونان) في الكتاب المقدس والقرآن الكريم. تتضمن القصة خروج يونس غاضباً من قومه، وركوبه سفينة، ثم ابتلاعه من قبل حوت، وانتهاءً بإنقاذه وعودته إلى رشده. يستخدم المخرج هذه القصة كإطار رمزي لرحلة منير الداخلية، حيث يمثل البحر والحوت قوى أكبر تسعى للسيطرة على مصيره.
جغرافيا المكان كرمزية للذات
يختار منير ملاذاً في أرض “طرح البحر”، وهي أرض تشكلت من تراكم الرمال والطين، مهددة بالفيضان الدائم. هذه الجغرافيا ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي تجسيد لحالة عدم الاستقرار والهشاشة التي يعيشها منير. يشير الفيلم إلى أن هذه الأرض، المنبثقة من البحر، تتوق دائماً للعودة إليه، تماماً كما يتوق منير إلى استعادة هويته ومعنى وجوده.
السينما الشعرية والبطء المتعمد
يعتمد فيلم “يونان” على أسلوب سينمائي شعري يتميز باللقطات الطويلة والإيقاع البطيء. يهدف هذا الأسلوب إلى إغراق المشاهد في عالم منير الداخلي، وإتاحة الفرصة للتأمل في أفكاره ومشاعره. قد يجد بعض المشاهدين هذا الإيقاع بطيئاً أو مملاً، لكنه ضروري لفهم العمق الوجودي الذي يسعى الفيلم إلى استكشافه.
يبرز أداء الممثل جورج خباز بشدة في تجسيد شخصية منير، حيث يقدم أداءً دقيقاً ومؤثراً يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه. يتمكن خباز من نقل مشاعر الاغتراب واليأس من خلال تعابير وجهه ولغة جسده، مما يجعله عنصراً أساسياً في نجاح الفيلم. الفيلم يعتمد بشكل كبير على الصورة والصمت، مما يمنح خباز فرصة للتعبير عن نفسه بطرق غير تقليدية.
يتناول الفيلم أيضاً موضوع الذاكرة وفقدانها، من خلال شخصية الأم التي تعاني من مرض يؤثر على ذاكرتها. تمثل الأم هنا رمزاً للوطن أو الأرض التي فقدها منير، مما يزيد من شعوره بالاغتراب والانفصال عن جذوره. يستكشف الفيلم كيف يمكن للذاكرة أن تشكل هويتنا وتؤثر على نظرتنا إلى العالم.
مستقبل الفيلم والمسابقة
من المتوقع أن يثير فيلم “يونان” جدلاً واسعاً في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، نظراً لموضوعاته المعقدة وأسلوبه السينمائي المختلف. سيتم الإعلان عن نتائج مسابقة “اليسر” في ختام المهرجان في 13 ديسمبر، ومن المرجح أن يكون الفيلم من بين المرشحين الأقوياء للفوز بجوائز. يُعد هذا الفيلم خطوة مهمة في مسيرة المخرج أمير فخر الدين، ويؤكد موهبته وقدرته على تقديم أعمال سينمائية ذات عمق فني وفكري.
ما يجب مراقبته هو ردود فعل النقاد والجمهور على الفيلم، وكيف سيساهم في النقاش حول قضايا الهوية والاغتراب في العالم العربي. كما يجب متابعة مسيرة المخرج أمير فخر الدين، وما إذا كان سيتمكن من إكمال ثلاثيته السينمائية بنجاح.










