دعا وزير الاقتصاد الإسباني كارلوس كويربو الاتحاد الأوروبي إلى التمسك بوحدته في مواجهة الانتقادات الشديدة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وحذرت الإدارة الأمريكية مؤخرًا من أن القيادة الأوروبية “الضعيفة” والسياسات الاقتصادية السيئة قد تؤدي إلى تدهور القارة. وتأتي هذه التصريحات في وقت يشهد فيه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة على جبهات متعددة، بما في ذلك النمو الاقتصادي والسياسات الخضراء والهجرة.
وأكد كويربو، الذي يشرف على أحد أسرع الاقتصادات نموًا في منطقة اليورو، أن الوقت قد حان لكي يتخذ الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة بدلًا من مجرد رد الفعل على الأحداث. وطالب بتكامل أوثق بين الدول الأعضاء وجهود متجددة لإكمال هيكل اليورو. وتعتبر هذه الدعوة جزءًا من نقاش أوسع حول مستقبل التكامل الأوروبي في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة.
مواجهة الانتقادات وتعزيز دور الاتحاد الأوروبي
صرح كويربو قائلاً: “هذا أمر شخصي للغاية، لكن رد الفعل الذي يثيره في داخلي هو أن نقول: دعونا نثبت خطأهم.” وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتحول من رد الفعل على الأحداث الخارجية إلى العمل، مؤكدًا على وجود حاجة ملحة وزخم لتحقيق ذلك. وتأتي هذه التصريحات ردًا مباشرًا على تقرير الأمن القومي الأمريكي الأخير.
كشف التقرير عن تحديث لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية، حيث جادل بأن أوروبا لا تزال حليفًا، لكن القارة يجب أن تعكس مسارها في بعض سياساتها الرئيسية وإلا فإنها تخاطر بـ “محو حضاري”. وانتقد التقرير بشكل خاص السياسات الخضراء والتشريعات الرقمية والتدفق غير المسبوق من المهاجرين غير الشرعيين.
وقد أيد الرئيس دونالد ترامب هذه المخاوف شخصيًا في مقابلة، مشيرًا إلى أن أوروبا “تتغير كثيرًا” ووصف قيادتها بأنه “ضعيفة”. وتشير هذه التصريحات إلى تحول محتمل في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوروبا.
كما رد السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي، أندرو بوزدر، على هذه التصريحات في مقابلة مع يورونيوز، بحجة أن “أوروبا يجب ألا تفقد هويتها”. ويعكس هذا الرأي قلقًا متزايدًا بشأن تأثير السياسات الأوروبية على الهوية الثقافية والاجتماعية للقارة.
وانتقد إيلون ماسك، أثرى رجل في العالم ومالك منصة X (تويتر سابقًا)، الاتحاد الأوروبي ودعا إلى إلغائه بعد تغريم المنصة من قبل المفوضية الأوروبية لانتهاكها قواعد السوق الرقمية. وادعى الملياردير، الذي يتابعه أكثر من 229 مليون شخص على وسائل التواصل الاجتماعي، أن الكتلة لم تعد ديمقراطية وأنها تديرها “مفوضون”.
النمو الاقتصادي الإسباني كنموذج
دفع كويربو بالرد، مؤكدًا أن التجربة الإسبانية أظهرت فوائد عضوية الاتحاد الأوروبي. انضمت مدريد إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1986 وشهدت فترة من التنمية الاقتصادية السريعة لتصبح رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
وأوضح: “بصفتنا أوروبيين، ندرك تمامًا أهمية الوحدة داخل الاتحاد الأوروبي ومدى حماية الاتحاد الأوروبي لنا.” وأضاف من وجهة النظر الإسبانية، لا يوجد أي سيناريو آخر سوى المضي قدمًا في التكامل وتعزيزه داخل الاتحاد الأوروبي.
شهد الاقتصاد الإسباني فترة من النمو الاقتصادي القوي هذا العام. وتتوقع الحكومة أن يرتفع الاقتصاد بنسبة 2.9٪ هذا العام، متفوقًا على ألمانيا وإيطاليا وفرنسا مجتمعة. ويعزى هذا النمو إلى عدة عوامل، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر والإنفاق الحكومي والطلب المحلي.
ومع ذلك، انتقدت المعارضة المحافظة في مدريد الحكومة بسبب عدم قدرتها المزمنة على إقرار ميزانية، وهي مشكلة مستمرة منذ ثلاث سنوات وتقول إنها تظهر ضعف السلطة التنفيذية. ويرى النقاد أن نقص الميزانية السنوية يتعارض أيضًا مع الضوابط والتوازنات الديمقراطية، وهو ما تنفيه الحكومة.
تأتي هذه الانتقادات في سياق نقاش أوسع حول السياسات المالية للحكومة الإسبانية وتأثيرها على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات تتعلق بالسيادة الرقمية، حيث تسعى القارة إلى تطوير قدراتها التكنولوجية الخاصة وتقليل اعتمادها على الشركات الأمريكية والصينية. وتشمل هذه الجهود الاستثمار في البحث والتطوير وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وتطوير لوائح جديدة تحكم استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي.
كما أن قضية الهجرة غير الشرعية لا تزال قضية خلافية في الاتحاد الأوروبي، حيث تختلف الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع تدفق اللاجئين والمهاجرين. وتدعو بعض الدول إلى سياسات أكثر صرامة للحد من الهجرة، بينما تدعو دول أخرى إلى نهج أكثر إنسانية وتشاركية.
من المتوقع أن تستمر هذه المناقشات في الأشهر المقبلة، مع استعداد الاتحاد الأوروبي لمواجهة تحديات جديدة في عالم يتغير بسرعة. وستكون الانتخابات البرلمانية الأوروبية القادمة في يونيو 2024 لحظة حاسمة لتحديد مستقبل السياسة الأوروبية.
في الختام، من المقرر أن تجتمع المفوضية الأوروبية في الأسبوع المقبل لمناقشة ردها على الانتقادات الأمريكية. وستراقب الأسواق المالية عن كثب هذه الاجتماعات، حيث يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الاستثمار والتجارة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيغير مساره في أي من هذه المجالات، أو ما إذا كان سيستمر في الدفاع عن قيمه ومبادئه.










