حذر قادة عسكريون بريطانيون، يوم الجمعة، من أن أوروبا يجب أن تستعد لمواجهة حرب وشيكة، مؤكدين وجود تهديدات غير مسبوقة تواجه القوات المسلحة البريطانية. يأتي هذا التحذير في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصةً مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ويزيد من الضغط على حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتعزيز الاستعدادات الدفاعية. وتعتبر هذه التصريحات بمثابة دعوة للاستنفار في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
أكد نائب وزير الدفاع البريطاني أليستر كارنز، خلال إطلاق جهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية الجديد، أن “شبح الحرب يطرق أبواب أوروبا”، داعياً الناتو إلى ضرورة الاستعداد للرد. وأوضح أن أوروبا لم تعد أمام خيار الحروب الاختيارية، بل تواجه صراعاً قد يكون حتمياً وله تداعيات إنسانية وخيمة، مستشهداً بالغزو الروسي لأوكرانيا كمثال واضح على هذا الواقع الجديد.
الاستعداد للحرب: تقييم التهديدات وتحديث الاستخبارات العسكرية
تأتي هذه التحذيرات في أعقاب تقرير صادر عن لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، انتقد الاستعدادات الحالية لبريطانيا لمواجهة حرب محتملة. ووفقاً لكارنز، فإن إعادة هيكلة الاستخبارات العسكرية ستلعب دوراً حاسماً في تعزيز الردع البريطاني، وضمان قدرته على مواجهة التهديدات المتطورة. يهدف هذا التحديث إلى تحسين جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، وتسريع عملية اتخاذ القرارات في الأوقات الحرجة.
وشدد كارنز على أهمية إدراك الشعب البريطاني لخطورة التهديدات التي تشكلها الدول المعادية، مؤكداً على ضرورة أن يفهم المواطنون أن هذه التهديدات تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية، بما في ذلك تكاليف المعيشة وأسعار المواد الغذائية والوقود، والإنفاق الحكومي بشكل عام. هذه الدعوة تهدف إلى بناء دعم شعبي لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز الاستعدادات العسكرية.
تتلاقى هذه التحذيرات مع تصريحات الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، الذي أكد في خطاب ألقاه في برلين أن روسيا أعادت الحرب إلى أوروبا، وأن الحلف يجب أن يكون مستعداً لمواجهة صراع قد يكون مماثلاً لتلك التي شهدتها القارة في الماضي. ويشير هذا إلى تحول استراتيجي في الناتو، مع التركيز بشكل أكبر على الدفاع الجماعي والردع.
زيادة أنشطة الاستخبارات المعادية
كشف رئيس الاستخبارات الدفاعية، أدريان بيرد، عن ارتفاع ملحوظ في أنشطة الاستخبارات المعادية ضد الأفراد والممتلكات العسكرية البريطانية، حيث زادت هذه الأنشطة بأكثر من 50% خلال العام الماضي. تأتي معظم هذه الأنشطة من إيران والصين وروسيا، مما يعكس التوترات المتزايدة مع هذه الدول. وتشمل هذه الأنشطة محاولات التجسس، والقرصنة الإلكترونية، وجمع المعلومات الاستخباراتية.
يقع جهاز الاستخبارات الموحد الجديد في قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في كامبريدجشير، وهو بالفعل مقرّ “باثفايندر”، أكبر مركز استخباراتي لتحالف “العيون الخمس” الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. يهدف الجهاز الجديد إلى تسريع تبادل المعلومات بين مختلف فروع القوات المسلحة البريطانية، وتحسين التنسيق بينها.
بالإضافة إلى ذلك، سيضم الجهاز “وحدة مكافحة التجسس الدفاعية” الجديدة، والتي ستكون مسؤولة عن حماية القوات المسلحة ومعداتها وأنظمتها من التدخل الأجنبي. وستراقب الوحدة نطاقاً واسعاً من البيانات المستقاة من مصادر مختلفة، بما في ذلك صور الأقمار الاصطناعية، ولقطات الفيديو المسجلة بواسطة الطائرات المسيّرة، والمعلومات التي يجمعها العملاء في الميدان.
ومع ذلك، يواجه الجهاز تحدياً يتمثل في نقص الموظفين المؤهلين لشغل وظائف في مجال الاستخبارات. أكدت وزيرة شؤون المحاربين القدامى لويز ساندير جونز على أن التوظيف لم يسير بالصورة المطلوبة خلال السنوات القليلة الماضية، وأن تغيير هذا الوضع يمثل مهمة كبيرة.
في سياق متصل، أطلق جهاز الاستخبارات السرية البريطانية (MI6) بوابة “Silent Courier” على “الإنترنت المظلم” بهدف تجنيد جواسيس جدد، لا سيما من روسيا. تأتي هذه الخطوة في إطار جهود بريطانيا لتعزيز قدراتها الاستخباراتية في مواجهة التهديدات المتزايدة من روسيا.
من المتوقع أن يستمر حلف الناتو في الضغط على الدول الأعضاء لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز الاستعدادات العسكرية في الأشهر والسنوات القادمة. كما من المرجح أن تشهد أوروبا زيادة في الأنشطة الاستخباراتية المتبادلة، حيث تسعى الدول إلى جمع المعلومات وحماية مصالحها. يبقى التحدي الأكبر هو إقناع الجمهور بأهمية الاستثمار في الدفاع، وبناء دعم شعبي لسياسات تهدف إلى تعزيز الأمن القومي والإقليمي.










