تحتفل الأمم المتحدة في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، تقديراً لأهمية هذه اللغة التي يتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص حول العالم، بما في ذلك 200 مليون متحدث أصلي و200 إلى 250 مليون متحدث غير أصلي. وتعتبر اللغة العربية ركيزة أساسية للتنوع الثقافي للبشرية، وقد تركت بصمات عميقة في العديد من اللغات الأخرى عبر التاريخ.
تعتبر اللغة العربية الفصحى الحديثة هي اللغة الرسمية للحكومة والشؤون القانونية والتعليم في معظم الدول العربية، كما أنها تستخدم على نطاق واسع في السياقات الدولية والدينية. بالإضافة إلى ذلك، توجد أكثر من 25 لهجة مختلفة يتحدث بها الناس بشكل أساسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تأثير اللغة العربية على اللغات الأخرى
لطالما كانت اللغة العربية، باعتبارها الأكثر انتشاراً بين اللغات السامية التي نشأت في جنوب غرب آسيا وأفريقيا، ذات تأثير كبير على المجتمعات والثقافات واللغات الأخرى على مر القرون. يعكس وجود كلمات عربية في لغات مختلفة تاريخاً طويلاً من التفاعل من خلال التجارة والتبادل العلمي والثقافي.
العديد من اللغات، بما في ذلك الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والتركية، استعارت مئات، بل آلاف الكلمات من اللغة العربية التي أصبحت جزءاً من الاستخدام اليومي. ويقول اللغويون إن هذا النوع من الاقتراض هو أمر طبيعي، حيث أن اللغات قد استعارت من بعضها البعض لعدة قرون.
يؤكد منتصر الحامد، أستاذ اللغة العربية بجامعة قطر، أن هذا الاقتراض هو “ظاهرة طبيعية”، وأن اللغات قد استعارت من بعضها البعض على مر العصور. ويضيف: “اللغة العربية ليست مختلفة في هذا الصدد، ويتجلى ذلك في المفردات والعلوم والتكنولوجيا والحضارة.”
جذور الكلمات العربية في اللغة الإنجليزية
من أبرز مساهمات اللغة العربية في العالم هو مجال الرياضيات والعلوم. بمرور الوقت، دخلت بعض هذه الكلمات إلى لغات أخرى بأشكال مختصرة أو معدلة، وأصبحت مألوفة جداً لدرجة أن أصولها غالباً ما تُنسى.
على سبيل المثال، كلمة “algebra” (الجبر) هي حجر الزاوية في الرياضيات، وهي مشتقة من الكلمة العربية “الجبر” التي تعني “الاستعادة” أو “الإعادة”. ظهرت هذه الكلمة في الأصل في عنوان عمل يعود إلى القرن التاسع حول حل المعادلات من قبل العالم الفارسي محمد بن موسى الخوارزمي، الذي اشتق اسمه أيضاً من كلمة “algorithm” (خوارزمية).
كما خضعت كلمات عربية أخرى لتحولات كبيرة. فكلمة “carat” (قيراط)، وهي الوحدة المستخدمة لقياس وزن الأحجار الكريمة، تعود أصولها إلى الكلمة العربية “قِراط”. يوضح الحامد أن هذه التغييرات تكشف كيف تتكيف اللغات الإنجليزية وغيرها مع الأصوات غير المألوفة. “نظراً لأن اللغة الإنجليزية لديها عدد قليل نسبياً من الكلمات التي تبدأ بالحرف Q، فقد تم إعادة تشكيل الكلمات العربية مثل ‘قِراط’ باستخدام أصوات أكثر مألوفية مثل C أو G أو K، مما أدى إلى ظهور أشكال مثل ‘carat’.”
وينطبق الأمر نفسه على المفردات اليومية خارج مجالي العلوم والرياضيات. فكلمة “giraffe” (زرافة) على سبيل المثال، تأتي من الكلمة العربية “زرافة”، وخضعت لتحول مماثل حيث قامت اللغات الأوروبية الأخرى بإعادة تشكيل الأصوات الأصلية لتناسب أنماطها الصوتية الخاصة، تماماً كما فعلت مع الكلمات التي تبدأ بالحرف العربي Q.
من ناحية أخرى، دخلت كلمات مثل “tariff” (تعريفة جمركية)، المشتقة من الكلمة العربية “تعريفة” التي تعني “الإعلام” أو “الإعلان”، إلى اللغة الإنجليزية من خلال الاتصال بلغات أخرى متورطة في التجارة. يقول الحامد إن هذه الكلمات “دخلت على الأرجح إلى اللغة الإنجليزية عبر اللغات الرومانسية”، على الرغم من أنها ليست بالضرورة في الأشكال التي نعرفها اليوم، مضيفاً أنها مرت أيضاً عبر اللغة التركية، التي “استعارت بكثافة من اللغة العربية” وتأثرت بالعالم الوسيط من خلال التجارة والحرب.
خصائص اللغة العربية
تستخدم اللغة العربية أبجدية تتكون من 28 حرفاً وتكتب من اليمين إلى اليسار. الخط العربي متصل، وتتغير أشكال الحروف حسب موقعها في الكلمة. غالباً ما يتم حذف الحروف المتحركة القصيرة في الكتابة اليومية.
هذه الخصائص، إلى جانب المفردات الواسعة للغة العربية، ساهمت في الاعتقاد بأن اللغة صعبة على غير الناطقين بها. ومع ذلك، يرى الحامد أن هذا الاعتقاد غير دقيق بالنسبة للكثيرين. ويقول: “أحد أكبر المفاهيم الخاطئة حول اللغة العربية هو أنها من بين أصعب اللغات في العالم. في الواقع، إنها مجرد لغة ذات أنظمة مختلفة عن اللغة الإنجليزية أو العديد من اللغات الأوروبية.”
ويضيف أن الخط العربي قد يبدو غير مألوف لبعض المتعلمين، إلا أنه “مألوف جداً” للمتحدثين بلغات أخرى، مثل الأردية والفارسية. ويقول الحامد إن المتحدثين بهذه اللغات غالباً ما يجدون اللغة العربية أسهل في القراءة، بينما قد يجد المتحدثون باللغة التركية حفظ مفرداتها أسهل نظراً للآلاف من الكلمات العربية التي استوعبتها اللغة التركية.
من المتوقع أن يستمر الاهتمام العالمي باللغة العربية في النمو، مع زيادة عدد المتعلمين والباحثين المهتمين بفهم هذه اللغة الغنية وتراثها الثقافي. وستظل اللغة العربية تلعب دوراً حيوياً في تعزيز الحوار بين الثقافات وتوسيع آفاق المعرفة الإنسانية. يجب متابعة الجهود المبذولة لتعزيز تعليم اللغة العربية ودعم الأبحاث اللغوية المتعلقة بها، مع التركيز على تطوير أدوات وموارد تعليمية مبتكرة.









